هربيس أهل الحرب والبطارقة وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه وقال: أشيروا علي برأيكم فقال له بطريق: من بطارقته وهو صاحب مشورة الرأي.
عندي أن لا نقاتل العرب لانا ليس لنا طاقة بقتالهم ومتى صالحناهم كنا في أمن وخصب ودعة كما قد صار أهل أركه وتدمر وحوران وبصرى ودمشق وأن نحن قاتلناهم وأخذونا في الحرب قتلوا رجالنا واستعبدونا وسبوا حريمنا والصلح خير من الحرب فقال هربيس لا رحمك المسيح فما رأيت اجبن منك ولا أقل جلدا يا ويلك كيف تأمرنا أن نسلم مدينتنا إلى أوباش العرب ولا سيما وقد عرفت حربهم وقتالهم واختبرت نزالهم وإني في هذه النوبة لو حملت في ميسرتهم كنت هزمتهم فقال له البطريق: نعم كانت الميسرة والقلب يخافون منك ثم تخاصما وتشاتما وافترق أهل بعلبك فرقتين فرقة يطلبون الصلح وفرقة يطلبون القتال ورمى هربيس الكتاب إلى المعاهد بعد أن مزقه وأمر غلمانه أن يدلوه إلى ظاهر المدينة ففعلوا ذلك ووصل المعاهد إلى عسكر المسلمين وأتى أبا عبيدة رضي الله عنه وحدثه بما كان من القوم وقال: أيها الأمير أن أكثر القوم عولوا على القتال فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه للمسلمين شدوا عليهم واعلموا أن هذه المدينة في وسط اعمالكم وبلادكم فإن بقيت كانت وبالا على من صالحتم ولا تقدرون على سفر ولا على غيره قال: فلبس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والعدد ورجعوا إلى الاسوار وعطف أهل بعلبك عليهم وتراموا بالسهام والأحجار وأن هربيس قد نصب كرسيه وسريره على برج من أبراج القلعة من ناحية النملة وقد عصب جراحته ولبس سلاحه ولامته ولبس على رأسه صليبا من الجواهر وحوله البطارقة والديرجانية بالدروع المذهبة والعدد الكاملة وفي اعناقهم صلبان الذهب والجوهر وبأيديهم القسى والسهام قال عامر بن وهب اليشكري شهدت حرب بعلبك وقد زحفت المسلمون إلى سورها قال ونشاب الروم كالجراد المنتشر وكان أناس من العرب بلا سلاح فأصابهم سهام القوم قال: ورأيت القوم يتساقطون علينا من السور تساقط الطير على الحب فذهبت إلى رجل سقط لاضرب عنقه فصاح الغوث الغوث وكنا قد عرفنا من الحرب أن من قال الغوث يعني الأمان فقلت له: يا ويلك لك الأمان فما الذي القاك إلينا من سوركم فجعل يكلمني بالرومية وأنا لا أدري ما يقول: قال عامر ابن وهب اليشكري فسحبته إلى خيمة أبي عبيدة وقلت له: أيها الأمير اطلب من يعرف لغة هذا العلج فاني رايتهم يرمي بعضهم بعضا فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه لمن حضر من المترجمة اخبرنا بخبر هذا العلج وما قضيته ولم يرمي بعضهم بعضا فقال له الترجمان: يا ويلك قد اعطيناك الأمان فاصدقنا في الكلام قل لنا: لم يرمي بعضكم بعضا قال أن بعضنا لا يرمي بعضا ولكنا من أهل والقرى فلما سمعنا بمسيركم ورجوعكم عن أهل قنسرين التجأنا إلى هذه المدينة من جميع الرساتيق لنتحصن فيها لما نعلم من كثرة ما بها من الجيش فضيق بعضنا.