قتلت العرب رجالي وقد جرحت هذه الجراحات فقال له البطريق: ألم أقل لك إنك مهلك نفسك ورجالك.
قال الواقدي: ثم أن الأمير أبا عبيدة سار حتى نزل على بعلبك فنظر إلى مدينة هائلة وحصن حصين والقوم قد اغلقوا الأبواب وقد أحرزوا أموالهم ومواشيهم في جوفها واطلع المسلمون على الأموال كأنها الجراد المنتشر قال فلما نظر الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه إلى البلد وتحصينه وامتناعه وكثرة رجاله وشدة برده وذلك إنه بلد لا يزايله البرد في الشتاء والصيف فقال الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه لخواص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الرأي في ذلك فاجتمع رأيهم على شورى واحدة وهو أن يحاصروا القوم ويضيقوا عليهم فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه أصلح الله الأمير إني أعلم أن الروم أزدحم بعضهم ببعض من كثرتهم وأظن أن المدينة لا تسعهم وأن طاولناهم رجونا من الله النصر وأن يفتحها الله على أيدينا فقال الأمير يا ابن جبل من أين علمت أن القوم يتضايقون في مدينتهم فقال: أيها الأمير إني كنت أول من اسرع بجواده قبل واشرفت على هذه المدينة والقلعة البيضاء ورجوت أن نلحق سوابق الخيل فرأيت القوم يدخلون المدينة من جميع الأبواب مثل السيل المنحدر والمدينة مشحونة بأهل السواد والقرى والمواشي ودوابهم فيها وقد ضاقت بهم وهذه اصوات القوم في المدينة كانهم النحل من كثرتهم فقال أبو عبيدة: صدقت يا معاذ ونصحت وايم الله ما عرفتك إلا مبارك الرأي سديد المشورة.
قال الواقدي: وبات المسلمون تلك الليلة يحرس بعضهم بعضا إلى الصباح ثم كتب أبو عبيدة رضي الله عنه إلى أهل بعلبك كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من أمير جيوش المسلمين بالشام وخليفة أمير المؤمنين فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى أهل بعلبك من المخالفين والمعاندين أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى وله الحمد أظهر الدين وأعز أولياءه المؤمنين على جنود الكافرين وفتح عليهم البلاد وأذل أهل الفساد وأن كتابنا هذا معذرة بيننا وبينكم وتقدمة إلى كبيركم وصغيركم لانا قوم لا نرى في ديننا البغي وما كنا بالذين نقاتلكم حتى نعلم ما عندكم وأن دخلتم فيما دخل فيه المدن من قبلكم من الصلح والأمان صالحناكم وأن أردتم الذمام ذممناكم وأن ابيتم إلا القتال استعنا عليكم بالله وحاربناكم فأسرعوا بالجواب والسلام على من اتبع الهدى ثم كتب: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:٤٨] وطوى الكتاب وسلمه إلى رجل من المعاهدين وأمره أن يسير به إلى أهل بعلبك ويأتيه بالجواب فأخذ المعاهد الكتاب وأتى به إلى السور وخاطبهم بلغتهم وقال: إني رسول إليكم من هؤلاء العرب فدلوا حبلا فربطه في وسطه وأخذه القوم إليهم وأتوا به إلى بطريقهم هربيس فناوله الكتاب فجمع.