للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابلوا بلاء حسنا فلما نظرت الروم إلى فعلهم رجعوا إلى أعقابهم طالبين الاسوار وغلقوا الأبواب ورجع المسلمون إلى عسكرهم وأضرموا نيرانهم ودفنوا من استشهد منهم وأقبلت رؤساء المسلمين إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقالوا: أيها الأمير ما الذي قد عزمت عليه وما عندك من الرأي يرحمك الله فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه اعلموا أن من الرأي أن نتأخر عن المدينة مقدار شوط فرسخ ليكون ذلك مجالا نحيلكم ومنعة لحريمكم والنصر من عند الله تعالى.

ثم دعا أبو عبيدة رضي الله عنه بسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعقد له راية وامره على خمسمائة فارس وثلثمائة راجل وأمرهم أن يهبطوا إلى الوادي وأن يقاتلوا القوم على الأبواب وأن يشغلوهم عن المسلمين ثم دعا ضرار بن الأزور وعقد له راية وأمره على خمسمائة فارس ومائة راجل سرحه إلى باب الشام وقال: يا بن الأزور اظهر شجاعتك على بني الأصفر فقاتل من هناك من الروم فقال حبا وكرامة قال ومضت كل فرقة إلى جهة من الجهات فلما أصبح الصباح فتحت الروم الأبواب وخرجوا في خلق كثير إلى أن تكاملوا حول بطريقهم هربيس فقال لهم البطريق: اعلموا يا معاشر النصرانية أن أهل هذا الدين من قبلكم قد فشلوا عن قتال هؤلاء العرب وعجزوا عن قتالهم ونزالهم فقالوا: أيها السيد طب نفسا وقر عينا فانا كنا نخاف من العرب قبل أن نختبرهم ونعلم قتالهم وقد علمنا إنهم إذا لاقوا حربنا لم يكونوا أصبر منا على الحرب لأن أحدهم يلقي الحرب وعليه ثوب خلق خام أو فروة خلقة ونحن علينا الدروع والزرد وقد وهبنا أنفسنا للمسيح.

قال الواقدي: فلما نظر أبو عبيدة إلى كثرتهم نادى برفيع صوته يا معاشر المسلمين لا تفشلوا فتذهب ريحكم واصبروا أن الله مع الصابرين قال وأن الروم داخلهم الخوف لما كانوا قد نالوه من غرة المسلمين بالأمس فحملوا حملة عظيمة قال سهل بن صباح العبسي شهدت قتال أهل بعلبك وقد خرج إلينا أهلها في اليوم الثاني وهم أطمع مما كانوا في اليوم الأول وقد حملوا علينا حملة عظيمة شديدة منكرة وكنت في ذاك اليوم اصابني جرح في عضدي الإيمن وما أطيق أن أحرك يدي ولا أحمل سيفا فترجلت عن جوادي وجريت بين أصحابي وقلت في نفسي: إذا قصدني أحد من هؤلاء الأعلاج لم يكن لي غنى ادفع عن نفسي فطلعت إلى ذروة الجبل فعلوته واشرفت على العسكرين وجعلت انظر إلى حربهم وقتالهم وقد طمعت الروم في العرب والمسلمون ينادون بالنصر وأبو عبيدة يدعو لهم بالنصر والتحمت القبائل وافتخرت العشائر قال سهل بن صباح وأنا على الجبل من وراء حجر انظر إلى ضرب السيوف على البيض والحجف والشرر يطير من شعاعها وقد التقى الفريقان واختلط الجمعان فقلت في نفسي: ويحي وما.

<<  <  ج: ص:  >  >>