الأمير أبو عبيدة ومن معه قال: يا سعيد اين رجالك وما صنعت بهم قال ابشر أيها الأمير فإن المسلمين في خير وسلامة وقد حاصروا اعداء الله في ضيعة في هذا الجبل ثم اخبره بالقصة من اولها إلى آخرها فقال أبو عبيدة: الحمد لله الذي هزمهم عن اوطانهم وجعلهم اشتاتا ثم اقبل أبو عبيدة على سعيد بن زيد وعلى ضرار بن الأزور وقال لهما ما هذه المخالفة رحمكم الله الم آمركم بالإقامة على أبواب المدينة والمشاغلة للقوم فما الذي ردكم الي وقد ارعبتم قلبي وقلب من كان معي وظننت أن أهل المدينة كادوكم وهو الذي منعنا أن نتبع المنهزمين فقال سعيد بن زيد أيها الأمير والله ما عصيت لك امرا ولا خالفتك في قول وإني قد وقفت حيث أمرتني إذ رأينا دخانا قد علا قتامه ولاح لنا بيانه فقلنا والله ما هذه إلا داهية من دواهي الروم أو نفير قد استدعانا به المسلمون فأسرعنا نحوك فعندما نادى الأمير أبو عبيدة في المسلمين معاشر الناس ايكم اوقد نارا أو دخن دخانا في هذا الجبل فليجب الأمير أبا عبيدة قال سهل بن صباح فلما سمعت النداء اجبت المنادي وأتيت الأمير أبا عبيدة فقال: ما الذي جراك على ذلك فقصصت عليه قصتي فقال أبو عبيدة: لقد وفقك الله تعالى إلى الجنة فإياك بعدها أن تحدث حديثا من غير اذن أميرك.
قال الواقدي: فبينما الأمير كذلك يحدث سهل بن صباح وإذا برجل من المسلمين منحدر من الجبل وهو ينادي النفير النفير يا امة البشير النذير ادركوا اخوانكم المسلمين فقد أحاط بهم الروم وهم في اشد ما يكون من القتال وانه قد دنا البطريق من المسليمن ونادى بأصحابه ورجاله وقال: يا عباد المسيح إليكم هذه الشرذمة اليسيرة والعصابة الحقيرة التي قد أحاطت بكم فاقتلوهم وادخلوا المدينة فانكم أن قتلتم القوم كسرتم بذلك حدة العرب وانصرفوا عنكم قال مصعب بن عدي وكنت في بعلبك من أصحاب سعيد بن زيد وقد جعلنا محاصرين البطريق والروم في الضيعة ونحن دون الخمسمائة رجل فما شعرنا إلا والبطريق والروم قد تبادروا إلينا من كل مكان فنادى بعضنا عضا واجتمعنا قال والله لقد كبوا علينا الخيل واحاطوا بنا بعد ما كنا أحطنا بهم وكان شعارنا في ذلك اليوم الصبر الصبر قال فبينما نحن كذلك في اشد الحرب واعظم الكرب إذ سمعنا صوتا عاليا قد ملأ الجبل ومناديا ينادي ويقول: أما من رجل يهب نفسه في الله ويسنفر المسلمين فانهم بالقرب منا ولا يعلمون ما نزل بنا قال مصعب بن عدي فلما سمعت الصوت همزت جوادي بكعبي وكان جواد عتيقا يسبق الريح الهبوب او الماء إذ انسكب من ضيق الأنبوب وكأنه الطود العظيم والله لقد خرج من تحتي كأنه البرق ولم تلحق منه الروم إلا الغبار بعد ما قتلت منهم رجلين ولقد نظرت إلى فرسي وهو يشب الصخرة ويسلك الوعرة حتى اشرفت على عساكر المسلمين فناديت النفير النفير يا أمة البشير النذير.