حبس ليس فيه طعام ولا شراب وأن دام علينا هذا يوما ثانيا أو ثالثا ضعف قوينا ومات ضعيفنا وبطلت حيلتنا وسلمنا أنفسنا كارهين فنقتل عن آخرنا فقالت البطارقة: فما الذي ترى أيها السيد فقال قد رأيت من الرأي أن اخدع العرب واحتال عليهم واسألهم الصلح لنا ولاهل مدينتنا كما قد طلبوا وأضمن أن افتح لهم المدينة ونكون في ذمامهم فإذا دخلنا المدينة حاربناهم على سورنا ولعلنا نرسل إلى صاحب عين الجوز والى صاحب جوسية فلعلهما يقدمان إلى نصرتنا فيكونان لقتال العرب من خارج المدينة ونحن من اعلى الاسوار ويكفينا المسيح هذه النوبة.
فقالت البطارقة: اعلم أيها السيد أن صاحب جوسية لا يجيبك إلى نجدة ابدا لانه مشتغل بنفسه وربما يكون محاصرا مثل حصارنا هذا فلقد بلغنا قبل نزول هؤلاء العرب علينا إنهم صالحوهم القدرة وألقوه أن يقاتلوا العرب واما أصحاب عين الجوز فانهم في تجارتهم متفرقون في اقصى الشام وما اظن إلا إنهم في صلح العرب فانظر لنفسك ورعيتك ما فيه الصلاح فلما سمع البطريق هربيس قولهم اجابهم إلى ذلك فلما اصبح الصباح طلع البطريق على جدار الضيعة ونادى برفيع صوته يا معاشر العرب أما فيكم رجل يعرف كلامي أنا هربيس البطريق فلما سمعه بعض التراجمة اقبل على سعيد بن زيد وقال له: يا مولاي أن هذا العلج هو هربيس صاحب القوم وهو يستدعي كلامك فقال له سعيد بن زيد: ادن منه وانظر ماذا يريد وما يقول: قال فدنا الترجمان منه فقال له: ما الذي تريد قال أريد أن يؤمنني أميركم هذا في ذمامه وذمام أصحابه ويدنو مني حتى أخاطبه بما يعود صلاحه على الفريقين فقال الترجمان ذلك لسعيد بن زيد فقال سعيد بن زيد لا كرامة له حتى أدنو منه وأمشي إليه حتى يخاطبني فإن كان له حاجة فليأت الي خاضعا ذليلا صاغرا حتى أسمع كلامه وأعلم مراده قال فأعلم الترجمان هربيس بكلام سعيد بن زيد فقال هربيس فكيف انزل إليه وأنا محارب له فأنا اخاف أن يقتلني فقال له الترجمان: أنا أخذ لك منه الذمام فإن العرب لا تخون إذا أمنت فقال البطريق: نعم قد تناهت إلينا أخبارهم ولكني أريد أن استوثق لنفسي ولأصحابي واهل بلدي لانهم قوم قد لحقهم الحقد علينا وقد اصبنا منهم دما كثيرا وإني أريد أن ارسل له شخصا يأخذ لي منه أمانا فقال الترجمان أنا أعرفه ذلك ثم اقبل الترجمان على سعيد بن زيد وقال له: إن البطريق هربيس يريد أن يوجه إليك رجلا من أصحابه يأخذ له منك أمانا فقال سعيد بن زيد دعه يوجه من يريد وأعلمه أن رسوله منا في أمان حتى يرجع إليه قال فأعلمه الترجمان بذلك فأقبل البطريق على رجل من عظماء أصحابه وقال له: ترى ما قد نزل بنا وكيف قد ملك العرب علينا الطريق وأن بلاد الشام قد أذن المسيح بخرابها وقد نصرت العرب علينا وأنا في شدة شديدة وأن لم نأخذ من القوم الأمان وإلا هلكنا وهلكت خيلنا وبعد ذلك يتحكمون في اولادنا.