شرطك فقال: لا يدخل إلينا من أصحابك أحد وتنزل صاحبك الذي تستخلفه علينا خارج المدينة بأصحابه ويكون له الخراج والجزية وتدعني أنا من داخل المدينة من قبل الإصلاح بين الناس والنظر في أحوالهم ونحن نخرج إلى من تخلفه علينا من أصحابك سوقا يكون فيه من جميع ما في مدينتنا ولا يدخلون إلينا مخافة أن يغلظوا بكلامهم على كبرائنا ويفسد الأمر بيننا وبينكم ويكون سببا للغدر ونقض العهد قال أبو عبيدة: فإذا صالحناكم نجاهد عدوكم لانكم تصيرون في ذمتنا ويكون الرجل الذي نخلفه عليكم مثل الواسطة والسفير بيننا وبينكم قال البطريق هربيس يكون خارج المدينة ويفعل ما يشاء أن يفعله من المحاماة فقال أبو عبيدة: لكم ذلك وما لنا في الدخول إلى مدينتكم من حاجة فقال البطريق تم الصلح على ذلك ثم سار البطريق إلى المدينة وأبو عبيدة معه فلما وصل إلى الباب حسر البطريق عن رأسه ورطن عليهم بلغه الروم فعرفوه عند ذلك فقالوا له: وأين أصحابك ورجالك فقص عليهم قصته وأخبرهم بخبره وخبر أصحابه وأعلمهم بالصلح فبكى القوم وقالوا: تلفت النفوس وذهبت الأموال فقال لهم البطريق: يا قوم وحق المسيح ما صالحتم ولي وجه غير الصلح فقالوا له: اذهب أنت وصالح عن نفسك وأما نحن فلن نصالح العرب أبدا ولن ندع أحدا منهم يملكنا ولا يدخل بلادنا ومدينتنا وهي أحصن مدينة في الشام وكان الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه قد أعلم المسلمين بمصالحة البطريق وأمرهم أن يكفوا عن القتال والحرب فلما سمع الترجمان كلام أهل بعلبك لبطريقهم أخبر الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه بذلك فأقبل البطريق فقال له أبو عبيدة: هات ما عندك وإلا نرد الحرب كما كان فقال البطريق دعني والقوم فوحق الإنجيل الصحيح وعيسى المسيح لو لم يقبلوا مني لادخلنك بالكثرة إليهم فتضع السيف فيهم وتقتل رجالهم وتسبي نساءهم وتنهب أموالهم لاني خبير بعورات بلدهم وبطرقاتها قال أبو عبيدة رضي الله عنه: ما شاء الله كان قال وكان الروم على سورهم يسمعون كلام البطريق لابي عبيدة رضي الله عنه فدخل الرعب في قلوبهم فعند ذلك اقبل البطريق على الروم وقال لهم: ما تقولون في صلح العرب فاني اسير في أيديهم ورجالهم وبنو عمكم في قبضتهم فإن لم تصالحوا العرب وإلا يقاتلونا جميعا ويرجعوا إليكم من بعدنا.
فقالوا: أيها السيد أنا لا نطيق هذا المال فقالوا: يا ويلكم علي وحدي ربع ما طلبوا فطابت قلوبهم بذلك وقالوا: أنا لا نفتح الباب إلا لك وحدك ولا يدخل معك أحد من العرب حتى نصلح مدينتنا ونرفع رحالنا ونخفي حريمنا فقال البطريق ويحكم فإني قد صالحت القوم على أن لا يدخل مدينتكم أحد منهم وأن الرجل الذي يخلفونه عليكم يكون هو وأصحابه خارج المدينة وتخرجون إليه سوقا يتسوقون منه قال ففرحت الروم بذلك وفتحوا له الباب فدخل إليهم وبعث الأمير أبو عبيدة إلى سعيد بن زيد أن يخلي.