وطلحة بن نوفل العامري وزاهد بن الأسد وعامر بن الطفيل وابن أكال الدم وغير هؤلاء من الفرسان المعدودين للبراز فلم يكن للروم طاقة بهم فولوا منهزمين والمسلمون يقتلون ويأسرون حتى وصلوا إلى الأردن فغرق منهم خلق كثير ورجع خالد بن الوليد رضي الله عنه وأما الأمير أبو عبيدة فإنه نزل باليرموك وجعل أذرعات من خلفه وكان هناك تل عظيم فعمد أبو عبيدة رضي الله عنه إلى نساء المسلمين وأولادهم فأصعدهم على ذلك التل وأقام الحراس والطلائع على سائر الطرقات فلما وصل خالد بن الوليد رضي الله عنه بالأسارى والغنائم فرح أبو عبيدة رضي الله عنه فرحا شديدا وقال أبشروا رحمكم الله تعالى هذه علامة النصر والظفر وأقام المسلمون باليرموك وهم مستعدون لقتال عدوهم كأنهم ينتظرون وعدا وعدوا به وبلغ الخبر إلى قسطنطين ابن الملك هرقل بأن المسلمين قد نزلوا باليرموك وأن ملوك الروم سائرون لقتالهم فبعث رسولا إلى الملوك يستضعف رأيهم في ابطاء أمرهم ويحثهم على قتال المسلمين فلما ورد رسوله إلى ماهان دعا بالملوك والبطارقة وقرأ عليهم كتاب قسطنطين ابن الملك هرقل وأمرهم بالمسير فسارت جيوش الروم يتلو بعضها بعضا لا يمرون ببلد من مدائن الشام التي فتحها المسلمون إلا ويعنفون أهلها ويقولون لهم يا ويلكم تركتم أهل دينكم وملتكم وملتم إلى العرب فيقولون لهم أنتم أحق بالملامة منا لانكم هربتم منهم وتركتمونا للبلاء فصالحنا عن أنفسنا فيعرفون الحق فيسكتون ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى اليرموك فنزلوا بدير يقال له دير الجبل وهو بالقرب من الرمادة والجولان وجعلوا بينهم وبين عسكر المسلمين ثلاثة فراسخ طولا وعرضا فلما تكاملت الجيوش باليرموك أشرفت سوابق الخيل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جبلة بن الأيهم في المقدمة في ستين ألف فارس من العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام وهم على مقدمة ماهان فلما نظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كثرة جيوش الروم قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال عطية بن عامر فوالله ما شبهت عساكر اليرموك إلا كالجراد المنتشر إذا سد بكثرته الوادي قال ونظرت إلى المسلمين قد ظهر منهم القلق وهم لا يفترون عن قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأبو عبيدة رضي الله عنه يقول: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٢٥٠] قال وأخذ المسلمون أهبتهم ودعا الأمير أبو عبيدة بجواسيسه من المعاهدين وأمرهم أن يدخلوا عساكر الروم يجسون له خبر القوم وعددهم وعديدهم وسلاحهم وقال أبو عبيدة رضي الله عنه: أنا أرجو من الله تعالى أن يجعلهم غنيمة لنا.
قال الواقدي: فلما نزل ماهان بعساكره بإزاء المسلمين على نهر اليرموك اقام اياما لا يقاتل ولا يثير حربا.