للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن يمينه معاذ بن جبل وعن شماله المقداد بن الأسود الكندي والمائة فارس محدقون به قال معاذ بن جبل رضي الله عنه وسرنا ونحن نعلن بالتهليل والتكبير قال نصر بن سالم المازني فنظرت إلى أبي عبيدة رضي الله عنه حين سار خالد بمن معه يقرأ آية من القرآن ودموعه جارية على خده فقلت: أيها الأمير ما يبكيك فقال: يا بن سالم هؤلاء والله أنصار الدين فإن أصيب رجل منهم في امارة أبي عبيدة فما يكون عذري عند رب العالمين وعند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال الواقدي: فلما اشرف خالد بن الوليد رضي الله عنه ومن معه على عساكر الروم نظر المسلمون إلى عساكر الروم وهم خمسة فراسخ في العرض وعن نوفل بن دحية أن خالد بن الوليد لما ترجل عن جواده وترجل المائة جعلوا يتبخترون في مسيرهم ويجرون حمائل سيوفهم ويخترقون صفوف الحجاب والبطارقة ولا يهابون أحدا إلى أن وصلوا إلى النمارق والفراش والديباج ولاح لهم ماهان وهو جالس على سريره فلما نظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ظهر من زينته وملكه عظموا الله تعالى وكبروه وطرحت لهم الكراسي فلم يجلسوا عليها بل رفع كل واحد منهم ما تحته وجلسوا على الأرض فلما نظر ماهان إلى فعلهم تبسم وقال: يا معاشر العرب لم تأبون كرامتنا ولم أزلتم ما تحتكم من الكراسي وجلستم على الأرض ولم تستعملوا الأدب معنا ودستم على فراشنا قال فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أن الأدب مع الله تعالى افضل من الأدب معكم وبساط الله اطهر من فرشكم لأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ثم قرأ قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:٥٥] .

قال حدثني عاصم بن رواح الزبيدي قال حدثنا بن عبد الله الشيباني قال حدثنا طرفة بن شيبة الخولاني عن عمه جرير وكان محالفا لخالد بن الوليد رضي الله عنه قال لم يكن بين خالد وماهان ترجمان يبلغ عنهما بل كانا يتحدثان كلاهما فقال خالد: يا ماهان إني اكره أن أبداك بالكلام فتكلم أنت بما تريد فاني لست ابالي بما تتكلم ولكل كلام جواب فإن شئت فتكلم وأن شئت بدأتك قال ماهان أنا أبدؤكم الحمد لله الذي جعل سيدنا الروح المسيح كلمته وملكنا أفضل الملوك وأمتنا خير الأمم قال فعظم ذلك على خالد بن الوليد وقطع خالد كلامه فقال الترجمان لا تقطع كلام الملك يا أخا العرب واستعمل حسن الأدب فأبى خالد أن يسكت بل قال خالد: الحمد لله الذي جعلنا نؤمن بنبينا ونبيكم وجميع الانبياء وجعل أميرنا الذي وليناه أمورنا كبعضنا لو زعم إنه يملك علينا لعزلناه فلسنا نرى أن له فضلا علينا إلا أن يكون أتقى لله عز وجل منا وقد جعل الله أمتنا تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتقر بالذنب وتستغفر منه وتعبد الله تعالى وحده لا شريك له قال فاصفر وجه ماهان وسكت قليلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>