للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفشل والجبن سببان من أسباب الخذلان فمن صبر كان حقا على الله نصره على عدوه لأن الله معه ومن صبر على حد السيوف فإنه إذا قدم على الله تعالى أكرم منزلته وشكر له فعله وسعيه الله يحب الشاكرين قال وما زال خالد رضي الله عنه يقول: هذا الكلام لأهل كل راية حتى مر بجماعة الناس ثم أن خالدا جمع إليه خيل المسلمين من أهل الشدة والصبر ومن شهد معه الزحف فقسمهم أربعة ارباع فجعل على أحدهم قيس بن هبيرة المرادي وقال له: أنت فارس العرب فكن على هذه الخيل واصنع كما أصنع وجعل على الربع الآخر ميسرة بن مسروق العبسي وأوصاه بمثل ذلك ودعا عامر بن الطفيل على الربع الثالث وأوصاه بمثل ذلك ووقف خالد مع عسكر الزحف.

قال الواقدي: فلم تطلع الشمس إلا وقد فرغوا من تعبية صفوفهم للحرب وأما ماهان الأرمني فإنه أمر الروم بالزينة والأهبة للحرب ففعلوا ذلك إلا أن المسلمين كانوا اسرع في التعبية قال وزحف الروم إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر الروم إلى تعبيتهم فكان عسكر المسلمين صفوفا كالبنيان المرصوص وكان الطير تظلهم والصفوف متلاصقة والرماح مشرعة مشتبكة قال فلما رأى الروم ذلك داخلهم الفزع والجزع وألقى الله الرعب في قلوبهم ثم أن ماهان عبى عسكره فجعل العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام في مقدمة الصفوف وجعل عليهم جبلة وقدم أمامهم صليبا من الفضة وزنه خمسة أرطال وهو مطلي بالذهب وفي أربعة أركانه أربع جواهر تضيء كأنها الكواكب.

قال الواقدي: حدثني سنان بن أوس الربعي قال حدثني عدى بن الحرث الهمداني وكان ممن حضر الفتوح من أولها إلى آخرها قال وكانت الصفوف التي صفها ماهان ثلاثين صفا كل صف منها مثل عسكر المسلمين كله وقد أظهر ماهان بين الصفوف القسوس والرهبان وهم يتلون الإنجيل ويترنمون وأكثر من الرايات والأعلام والصلبان فلما تكاملت صفوفهم وإذا ببطريق عظيم الخلقة قد برز وعليه درع مذهب ولامة حرب مليحة وفي عنقه صليب من الذهب مرصع بالجوهر وتحته فرس أشهب وكان البطريق من عظماء الروم ممن يقف عند سرير الملك فلما برز جعل يرطن بكلام الروم بصوت كالرعد فعلم المسلمون إنه يطلب البراز فتوقف المسلمون عن الخروج إليه فصاح خالد وقال: يا أصحاب رسول الله هذا العلج الأغلف يدعوكم لقتاله وأنتم تتأخرون فإن لم تخرجوا إليه وإلا خرج خالد وهم بالخروج وإذا بفارس قد خرج من المسلمين على برذون أشهب عظيم الخلقة يشبه برذون المشرك وعلى المسلم لامة حسنة وعدة سابغة وقصد نحو البطريق فلم يكن في رجال خالد من يعرف الفارس الذي خرج فقال خالد لهمام مولاه: أخرج إلى هذا الفارس وانظر من هو من المسلمين ومن أي.

<<  <  ج: ص:  >  >>