قال الواقدي: حدثني فضالة بن عامر قال حدثني موسى بن عوف عن جده يوسف بن معن قال كان هذا الغلام كنانة عارفا بالحرب صاحب شجاعة وغارة وقد ذكر إنه كان من شجاعته وشدة فراسته إنه كان يخرج من حي قومه بني كنانة وحده ويسير حتى يأتي أحياء العرب المعادين له فإذا أشرف عليهم صرخ بهم وانتمى باسمه فتثور الرجال على أعناق الخيل فلا يزال يقاتلهم ويقاتلونه فإن ظفر بهم كان مراده وأن رأى منهم غلبة وعظم عليه أمرهم نزل عن جواده وسعى بين أيديهم فلا يلحقون منه إلا الغبار.
قال الراوي لما ولاه أبو عبيدة رضي الله عنه وقف حيث أمره والتفت أبو عبيدة إلى خالد وقال: يا أبا سليمان قد وليتك على الخيل والرجل فول أمر الرجالة من شئت فقال خالد ابن الوليد رضي الله عنه: سأولي أمرهم رجالا لا يؤتي المسلمون من قبلهم ثم نادى بهاشم بن عتبة ابن أبي وقاص وقال له: ولاك الأمير على الرجالة فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه انزل يا هاشم وكن معهم رحمك الله وأنا أوافقك.
قال الواقدي: ورتب أبو عبيدة صفوف المسلمين وعبأهم قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: ابعث الآن إلى أصحاب الرايات وقل لهم يسمعوا مني فدعا أبو عبيدة رضي الله عنه بالضحاك بن قيس وقال له: يا بن قيس اسرع إلى أصحاب الرايات وقل لهم أن الأمير أبا عبيدة يأمركم أن تسمعوا لخالد وتطيعوا أمره ففعل الضحاك ذلك وجعل يدور على أصحاب الرايات حتى انتهى إلى معاذ بن جبل وقال له: مثل ذلك قال معاذ بن جبل سمعا وطاعة ثم اقبل معاذ على الناس وقال: أما إنكم قد امرتم بطاعة رجل ميمون الغرة مبارك الطلعة فإن أمركم بأمر فلا تخالفوه فيما يأمركم به فما يريد غير صلاح المسلمين والأجر من رب العالمين قال فقلت لمعاذ بن جبل: إنك لتقول في خالد قولا عظيما فقال: ما أقول إلا ما قد عرفته فالله رده وقال الضحاك فرجعت إلى خالد واخبرته بما تكلم به معاذ بن جبل وبما أثنى به عليه فأثنى وقال هو أخي في الله تعالى ولقد سبقت له ولأصحابه سوابق لا يفعلها خالد بن الوليد فمن يناله قال الضحاك فرجعت إلى معاذ بن جبل وأخبرته بما قال خالد: وبما أثنى به عليه وما ذكره من أمره وبما أورده من علي شأنه فقال معاذ والله إني أحبه في الله تعالى وأرجو من الله أن يكون قد اثابه بحسن نيته ونصيحته للمسلمين.
قال الواقدي: فلما وصى الضحاك بن قيس أصحاب الرايات بقول أبي عبيدة بالطاعة لخالد بن الوليد رضي الله عنه جعل خالد يسير بين الصفوف ويقف على كل راية ويقول: يا أهل الإسلام أن الصبر قد عزم أن شاء الله تعالى على صحبتكم.