علي من عسكرك فلا حاجة لي فيه فقال ماهان: لله درك أنت تكرمت وأجملت فقال خالد رضي الله عنه: وأنت أيضا قد تكرمت علينا بما صنعت من اطلاق أصحابي من الأسر ثم انثنى خارجا من عند ماهان وأصحابه من حوله وقدم له جواده فركبه وركب أصحابه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر ماهان أصحابه وحجابه أن يسيروا معهم حتى يبلغوهم قال ففعل القوم ذلك ووصل خالد وأصحابه إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنهم أجمعين وسلموا عليه وفرح المسلمون بخلاص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث خالد أبا عبيدة بكل ما جرى لهم ثم قال خالد: وحق المنبر والروضة ما كان ماهان ليطلق لنا أصحابنا إلا فزعا من سيوفنا.
فقال أبو عبيدة: حين سمع ما مر لخالد ولماهان من الخطاب والجدال هذا رجل حكيم إلا أن الشيطان غلب على عقله فعلام افترقتم قال على أننا نلتقي معهم ويعطي الله النصر لمن يشاء فلما سمع أبو عبيدة رضي الله عنه ذلك جمع عظماء المسلمين وقام فيهم خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أن العدو يصبحهم بالقتال في غداة غد وأمرهم بالأهبة وأقبل فرسان المسلمين يحرض بعضهم بعضا وأقبل خالد على أصحابه وهم عسكر الزحف وقال لهم: علموا أن هؤلاء الكفرة الذين نصركم الله عليهم في المواطن الكثيرة قد حشدوا لكم جموع بلادهم وإني دخلت إلى عسكرهم ونظرت إليهم فكانهم النمل ولكنهم أصحاب عدة بلا قلوب ولا لهم من ينصرهم عليكم وهذه الوقعة بيننا وبينهم وقد أيقنا أن القتال في غداة غد وانتم أهل البأس والشدة فما عندكم رحمكم الله تعالى قال فتكلم أصحاب خالد وقالوا: أيها الأمير القتال بغيتنا والقتل في سبيل الله تعالى مسرتنا ولا نزال نصبر لهم على الحرب والطعن والضرب حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ففرح خالد بقولهم وقال لهم: وفقكم الله تعالى وأرشدكم.
قال الواقدي: فلم يبق أحد منهم تلك الليلة إلا وقد أخذ عدته واهبته واستعد بآلة الحرب والقتال وباتوا فرحين بالجهاد والثواب وخائفين من العقاب فلما أصبح القوم ولاج الفجر أذن المؤذنون في عسكر المسلمين حتى ارتفعت لهم جلبة عظيمة بالتوحيد واسبفوا الوضوء لصلاتهم خلف أبي عبيدة فلما صلوا ركبوا خيولهم إلى قتال عدوهم وعبوا صفوفهم للقتال وكانوا ثلاثة صفوف متلاصقة أول الصف لا يرى آخره وأقبل خالد بن الوليد على أبي عبيدة رضي الله عنه وقال: أيها الأمير من تجعل في الميسرة قال كنانة بن مبارك الكناني أو قال عمرو بن معد يكرب الزبيدي والله أعلم أيهما كان فولاه الميسرة وأمره أن يكون مكانه في الميسرة ففعل وضم إلى كنانة قيسا قال فسار لما أمره أبو عبيدة رضي الله عنه.