وانهض بنا إليهم فإذا عزمت على القتال فدع كل واحد منا يقاتل يوما حتى تعرف منا من هو أفرس وأشد ويضجر المسلمون من المطاولة ونجمع عيالنا وأطفالنا وأموالنا فإن كانت على العرب رددنا كل شيء إلى مكانه وأن كانت للعرب علينا الحقوا ببلادهم وقومهم ويكون الأمر بيننا وبينهم في يوم واحد أو يومين فقال له: ماهان لعنه الله هذا هو الرأي أمهلوا إلى أن أكتب إلى الملك بمثل ذلك ثم إنه كتب إلى هرقل أما بعد فأسأل الله لك أيها الملك ولجيشك النصر ولاهل سلطانك العز والنصر وإنك بعثتني فيما لا يحصى من العدد وإني قدمت على هؤلاء العرب فنزلت بساحتهم وأطمعتهم فلم يطمعوا وسألتهم الصلح فلم يقبلوا وجعلت لهم جعلا على أن ينصرفوا فلم يفعلوا وقد فزع جند الملك منهم فزعا شديدا وإني خشيت أن يكون الفشل قد عمهم والرعب قد دخل في قلوبهم وذلك لكثرة الظلم فيهم وقد جمعت ذوي الرأي من أصحابي وذوي النصيحة للملك وقد أجمع رأينا على النهوض إليهم جميعا في يوم واحد ولا نزايلهم حتى يحكم الله بيننا فإن اظهر الله عدونا علينا فارض بقضاء الله واعلم أن الدنيا زائلة عنك فلا تأسف على ما فات منها ولا تغتبط منها بشيء في يدك والحق بمعاقلك وبدار ملكك بالقسطنطينية وأحسن إلى رعيتك يحسن الله إليك وارحم ترحم وتواضع لله يرفعك الله فإنه لا يحب المتكبرين ولقد عملت حيلة في احضار أميرهم خالد ومنيته ورغبته فما أجاب ورأيته على الحق مقيما فأردت أن أفتك به وأمكر فخفت عاقبة المكر والغدر وما نصر هؤلاء إلا بالعدل واتباع الحق بينهم والسلام ثم طوى الكتاب وبعث به مع أصحابه من العلوج.
قال الواقدي: وبقي ماهان سبعة أيام اخر بعد الوقعة الأولى لم يقاتل المسلمين ولم يقاتلوه وبعث أبو عبيدة برجل من عيونه ينظر ما الذي أخر الروم عن القتال فغاب الرجل يوما وليلة ثم عاد وأخبر أبا عبيدة أن ماهان قد كاتب الملك وهو منتظر الجواب فقال خالد ابن الوليد: ما تأخر ماهان عن قتالنا إلا وقد وقع الفزع في قلبه فازحف بنا إليهم فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه لا تعجل فإن العجلة من الشيطان.
قال الواقدي: وكان أبو عبيدة رجلا لين العريكة يحب الرفق فلما كان في اليوم الثامن نظر ماهان إلى تلهف أصحابه على الحرب والقتال فعزم أن يلقى بهم المسلمون وقد فرح بنشاطهم فدعا برجل من المتنصرة من لخم وقال له: اذهب فادخل هؤلاء العرب وتجسس لي أخبارهم وانظر ما عندهم قال فمضى اللخمي حتى دخل عسكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام فيهم يوما وليلة يطوف في عسكرهم وليس أحد من المسلمين ينكره وهم آمنون وليس لهم همة إلا اصلاح شأنهم والصلاة والقرآن والتسبيح وليس فيهم عدوان ولا ظلم ولا أحد يتعدى على أحد وقصد الموضع الذي فيه أبو عبيدة رضي الله.