وارجع إلى قومك ودع عنك الطمع فقال له عامر: قد أخبرتك من أنا ومن قبيلتي فأنت من أي العرب قال أنا من غسان وأنا سيدها جميعها أنا جبلة بن الأيهم الغساني وإنما خرجت إليك حين نظرت إليك وقد قتلت هذا البطريق الشديد وهو نظير ماهان وجرجير في الشجاعة فعلمت إنك كفؤ فخرجت لاقتلك وأحظى عند ماهان وهرقل بقتلك فقال عامر بن الطفيل أما ما ذكرت من شدة القوم وعظم خلقهم فالله أشد منعة وهو مهلك الجبابرة وأما قولك إنك تحظى بقتلي عند مخلوق مثلك فاني أريد أن أحظى بجهادي عند رب العالمين بقتلك وحمل عامر على جبلة بن الأيهم والتقيا بضربتين فخرجت ضربة عامر بن الطفيل غير ممكنة وخرجت ضربة جبلة ممكنة فقطعت من قرنه إلى كتفه فسقط عامر قتيلا فجال جبلة على مصرعه ووقف يعجب بنفسه وبما صنع وطلب البراز فخرج إليه ولد المقتول وهو جندب بن عامر بن الطفيل وكانت معه راية أبيه فاقبل إلى ابي عبيدة وقال: أيها الأمير أن أبي قد قتل وأريد أن أخذ بثأره أو أقتل فادفع رايتك لمن شئت من دوس فأخذ أبو عبيدة الراية ودفعها لرجل من دوس فحملها وخرج جندب إلى قتال جبلة بن الأيهم وهو ينشد ويقول:
سأبذل مهجتي أبدا لاني
...
أريد العفو من رب كريم
وأضرب في العدا جهدي بسيفي
...
وأقتل كل جبار لئيم
فإن الخلد في الجنات حق
...
تباح لكل مقدام سليم
قال ودنا من جبلة وقال له: اثبت يا قاتل أبي لاقتلك به فقال جبلة ومن أنت من المقتول قال ولده قال جبلة ما الذي حملكم على قتل نفوسكم وأولادكم وقتل النفوس محرم قال جندب أن قتل النفس في سبيل الله محمود عند الله وننال به الدرحة العالية فقال له جبلة: إني لا أريد قتلك فقال جندب وكيف أرجع وأنا المفجوع بأبي والله لا رجعت أو أخذ بثأر أبي أو الحق به ثم حمل على جبلة وجعلا يقتتلان وقد شخصت نحوهما الأبصار ونظر جبلة إلى الغلام وما أبدى من شجاعته فعلم إنه شديد الباس صعب المراس فأخذ منه حذره وغسان ترمق صاحبها فرأت الغلام جندبا وقد ظهر على صاحبهم وقارنه في الحرب فصاح بعضهم على بعض وقالوا: إن هذا الغلام الذي برز إلى سيدكم غلام نجيب وأن تركتموه ظهر عليه فانجدوه ولا تدعوه فتأهب غسان للحملة ليستنفذوه ونظر المسلمون إلى جندب وما قد ظهر منه ومن شجاعته وشدته ففرحوا بذلك ونظر الأمير أبو عبيدة إلى ذلك وما فعل فبكى وقال هكذا يكون من يبذل مهجته في سبيل الله اللهم تقبل له فعله.
قال جابر بن عبد الله شهدت قتال اليرموك فيما رأيت غلاما كان أنجب من جندب بن عامر بن الطفيل حين قاتله جبلة وبعد ذلك حمل على جبلة وضربه ضربة.