عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كلاهما يتسابق إليه فأخذه عمرو ولم يزل يقاتل به حتى انهزمت الروم وفتح الله على أيدي المسلمين وكان اليوم الثالث من اليرموك يوما شديدا انهزمت فيه فرسان المسلمين ثلاث مرات كل مرة تردهم النساء بالحجارة والعمد ويلوحون بالأطفال إليهم فيرجعون إلى القتال ولم يزل القتال قائما إلى أن اقبل الليل بسواده ورجعت الروم إلى مواضعها والقتل فيهم كثير وفي المسلمين قليل إلا أن الجراح فيهم فاشية من النشاب فلما دخل الليل بسواده رجعت كل فرقة إلى أماكنها وباتوا تحت السلاح قال وأما المسلمون فما كانت همتهم إلا الصلاة وبعد ذلك شدوا الجراح وصلى أبو عبيدة رضي الله عنه وقال: أيها الناس إذا عظم البلاء فانتظروا الفرج فإنه يأتي من عند الله فاضرموا نيرانكم وتحارسوا وأظهروا التهليل والتكبير وقام أبو عبيدة يمشي في الناس هو وخالد بن الوليد يتفقدان الجرحى ويقولان أيها الناس أن عدوكم يألم كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وباتا طول ليلهم كله وهما طائفان على المسلمين إلى أن أصبح الصباح قال وانحازت الروم إلى جانب اليرموك مع ماهان الأرمني فجمع بطارقته ووبخهم وزجرهم وقال لهم: قد علمت أن هذا يكون منكم وقد رأيت فشلكم وخوفكم وجزعكم من هؤلاء العرب الضعاف قال فاعتذروا إليه وقالوا: غدا نبارزهم فإن فينا فرسانا وشجعانا لم يقاتلوا أصلا وغدا نصدقهم الحرب فتكون لنا العاقبة قال فسكت عن توبيخهم وأمرهم أن يتأهبوا لذلك وبات الفريقان يتحارسون وقد رعبت الروم من كثرة القتل فيهم واما المسلمون فانهم أقوى قلوبا لشدة دينهم ويقينهم.
قال فلما أصبح الصباح صلى بهم أبو عبيدة صلاة الخوف وإذا بالصلبان قد بدت وبرايات القوم قد طلعت في عدد الشوك والشجر كأنهم لم يلاقوا قتالا قط فوقفوا في مصافهم ونصب ماهان سريره على الكثيب الذي كان عليه بالأمس وهو يشرف منه على العساكر فامرهم أن يعبوا مصافهم فلما نظر أمير المؤمنين إلى سرعة الروم صاح كل أمير برجاله وحرضهم على القتال فانقلبوا من الصلاة إلى خيولهم ولبسوا السلاح وركبوا خيولهم ورجع كل أمير إلى مكانه وهو يعظ أصحابه ويوصيهم ويعدهم من الله بالنصر وسار أبو عبيدة بين الصفوف وهو يصف لهم فضل الجهاد وما أعد الله للمجاهدين الصابرين وخلف على الذرارى والنساء والأموال والأولاد عمرو بن سعيد ابن عبد الله الأنصاري وجعل من الرماة خمسمائة في الميسرة وخمسمائة في القلب وطاف أبو عبيدة عليهم وقال لهم: معاشر الرماة الزموا مراكزكم فإن رأيتم القوم زحفوا إلينا فارشقوهم بالنبل واذكروهم عند رميكم ولا تتركوها مفرقة ولتخرج سهامكم كأنها من كبد قوس واحدة فإن هم زحفوا إليكم فاثبتوا مكانكم حتى يأتيكم امري ففعلوا ما امرهم به الأمير وتقدم أبو سفيان إلى ولده يزيد والراية في يده وحوله أصحابه وقد عزم على