فجهدت أن تقوم معي فلم تقم فحملناها إلى أن أتينا بها موضعها فلما كان الليل رايتها وهي تدور تسقي الرجال وكان ليس بها ألم قط ونظر إليها أخوها والضربة في رأسها فقال لها: ما بك فقالت: ضربني علج قتلته عفيرة فقال لها: يا أختاه ابشري بالجنة فقد أخذت لك بثأر الضربة مرارا وقتلت منهم أعدادا قال ولم يزل الحرب من أول النهار وكلما قرب الليل يزيد ويشتعل ضرامها وأبو عبيدة يقاتل برايته والأمراء يفعلون كفعله إلى أن فصل بينهما الظلام وقد قتل من الروم يوم التعوير أربعون ألفا أو يزيدون ونقل عن خالد إنه انقطع في يده ذلك اليوم تسعة أسياف ولقد أخبرنا عن خالد بن الوليد ممن حضر قتال اليرموك وشاهده قال كان يعد قتال خالد بمائة رجل من شجعان الرجال قال حازم بن معن وبرز من المشركين في قلب الوقعة أصحاب الديباج والحرير والتجافيف على الخيول الشهب والبلق كأنها من الجبال الراسيات فلما برزوا غاصوا في القلب وكروا كرة واحدة ورفعوا في وسطهم صليبا من الجوهر وحملت ميمنتهم على ميسرتنا وميسرتهم على ميمنتنا وقد شردوا إلى النساء والنساء يضربن وجوههم فجعلن يصحن بهم الله الله لا تغموا الإسلام بهزيمتكم واتقوا ربكم قال كان بين يدي ابي عبيدة رجل من محرز أسمه نجم بن مفرح وكان من خطباء العصر وأفصح العرب لسانا واجرئها جنانا وكان رفيع الصوت حسنه جدا فقصده العرب والفصحاء يسمعون ما ينطق به من نظمه ونثره.
قال الواقدي: حدثني عبد الملك بن محمد عن ابيه عن حسان بن كعب عن عبد الواحد عن عوف عن موسى بن عمران اليشكري قال رأيت نصر بن مازن وهو بجامع النيل يحدث عن وقعة اليرموك قال مارد الناس عن الهزيمة بعد قضاء الله إلى نصرة الإسلام إلا غلام رجل من بني محارب يقال له: نجم بن مفرح وكان لا يتكلم إلا بالسجع يؤلفه بحسن نظمه ولقد حفظنا منه يوم اليرموك ما نحن نذكره عنه ولقد بلغني أن البلغاء الفصحاء المتأخرين مثل الأصمعي وأبي عبيدة اللغوي ينسجان على منواله في حسن كلامه فكان من جملة ما وعظ به المسلمين يوم اليرموك وقت هزيمتهم أيها الناس هذا يوم له ما بعده وقد عاينتم قربه من بعده ولن تنال الجنة إلا بالصبر على المكاره وتالله لا ينالها من هو للجهاد كاره وينشد:
ولله في عرض السموات جنة
...
ولكنها محفوفة بالمكاره
واعلى الدرجات درجة الشهادة فارضوا عالم الغيب والشهادة وهذا الجهاد قد قام على ساقه وكسد النفاق في أستواقه وأخفى نفاقه في نفاقه وأنتم أصحاب نبي العصر فأيستم من الثبات والنصر بشروا روح المصطفى بثباتكم وقوموا العزم بصفاء نياتكم وإياكم أن تولوا الأدبار فتستوجبوا عذاب النار وغضب الجبار فوالذي قدر الأقدار وأدار الفلك