للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعقابها وقد قتل منهم ألوف عديدة وأما أصحاب السلاسل فانحطم أكثرهم ووطئتهم الخيل بحوافرها ولم يزل القتال بينهم حتى مالت الشمس بغروبها وانفصل الجمعان وقد جرت الدماء بينهم وفرشت الأرض بالقتلى والجراح فاشية في الجمعين لكن في الروم أكثر ورجع كل قوم إلى اصلاح شأنهم ومداواة جرحاهم واما النساء فأصلحن الطعام وشددن الجروح وداوين السقام ولم يقل أبو عبيدة لاحد من المسلمين من يكون الليلة على حرس المسلمين لما عندهم من التعب بل إنه تولى الحرس بنفسه ومعه جماعة من المسلمين قال فبينما هو يدور إذ راى فارسين قد لقياه وهما يدوران بدورانه فكلما قال: لا إله إلا الله قالا محمد رسول الله فقرب أبو عبيدة منهما فإذا هما الزبير بن العوام وزوجته أسماء بنت أبي بكر الصديق فسلم عليهما وقال: يا أبن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أخرجكما قال الزبير نحرس المسلمين وذلك أن أسماء قالت لي: يا ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلمين مشتغلون بأنفسهم في هذه الليلة عن الحرس بما لحقهم من التعب في الجهاد طول يومهم فهل لك أن تساعدني على حرس المسلمين فأجبتها إلى ذلك فشكرهما أبو عبيدة وعزم عليهما أن يرجعا فلم يفعلا ولم يزالا كذلك إلى الصباح.

قال الواقدي: حدثني أبو عبيدة عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن ابن حبيران أبا الجعيد كان رئيسا من رؤساء أهل حمص فلما اجتمعت الروم على المسلمين في اليرموك دخلوا على حمص ونزلوا في بلدة تسمى الزراعة وكان أبو الجعيد هذا قد جعلها مسكنه لطيب هوائها ومائها وانتقل من حمص إليها فنزل عسكر الروم على الزراعة عنده وكان فيها عرس لابي الجعيد وزوجته تزف عليه في تلك الليلة قال فتكلف أبو الجعيد بضيافة الروم وأكرمهم وأطعمهم وسقاهم الخمر فلما فرغوا من أمورهم قال هات امراتك إلينا فأبى ذلك وسبهم فأبوا إلا أخذ العروس فلما شنع عليهم بذلك عمدوا إلى العروس واخذوها كرها منه وعبثوا بها بقية ليلتهم فبكى أبو الجعيد من حزنه ودعا عليهم فقتلوا أولاده وكان له ولد من زوجة غيرها قال فأقبلت أم الفتى فأخذت رأس ولدها في خمارها وأقبلت به إلى مقدم ذلك الجيش ورمت الرأس إليه وشكت حالها وقالت له: انظر ما صنع أصحابك بولدي فخذ بحقي فلم يعبأ بكلامها فقالت له أم الفتى: والله لتنصرن العرب عليكم ورجعت وهي تدعو عليه فما كان إلا يسير حتى هلكوا في أيدي المسلمين قال فلما كان يوم اليرموك بعدها قتل النسطور أتى أبو الجعيد إلى عساكر المسلمين وقال لخالد أعلم أن هذا الجيش النازل بازائكم جيش عظيم ولو سلموا أنفسهم إليكم للقتل لما فرغتم من قتلهم إلا في المدة الطويلة فإن كدتهم لكم في هذه الليلة مكيدة تظفرون بها عليهم ماذا تعطوني قالوا: نعطيك كذا وكذا تؤدي جزية أنت وولدك وأهل بيتك ونكتب لك بذلك عهدا إلى آخر عقبك.

<<  <  ج: ص:  >  >>