للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الواقدي: فلما استوثق منهم لنفسه مضى إلى الروم وهم لا يعلمون وأتى إلى واد عظيم مملوء ماء فأنزل الروم إلى جانبه وقال لهم: أن هذا المنزل به العرب وأنا سأكيد لكم العرب بمكيدة يهلكون بها قال وجعل الناقوصة فيما بين الروم والعرب ولم يعلم أحد من الروم ما عمقها قال فلما كان يوم التعوير وعلم أبو الجعيد أن النصر للعرب وأن العرب هم المنصورون جاء أبو الجعيد إلى أبو عبيدة فوجده يطوف تلك الليلة هو وجماعة من المسلمين المهاجرين فقال لهم: ما قعودكم قالوا: وما نصنع قال إذا كان ليلة غد فأكثروا من النيران ثم رجع إلى الروم لينصب عليهم حيلة فلما كانت الليلة الثانية أوقد المسلمون أكثر من عشرة آلاف نار فلما اشتعلت النيران أقبل إليهم أبو الجعيد فقالوا: قد أشعلنا النيران كما أردت فما بعد ذلك قال أريد منكم خمسمائة رجل من أبطالكم حتى أشير عليهم بما يصنعون.

قال الواقدي: فاختار من المسلمين خمسمائة رجل من جملتهم ضرار بن الأزور وعياض ورافع وعبد الله بن ياسر وعبد الله بن أوس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وغانم بن عبد الله ومثل هؤلاء السادات فلما اجتمعوا سار بهم أبو الجعيد على غير المخاضة وقصدبهم عسكر الروم فلما كادوا يخالطونهم أخذ أبو الجعيد منهم رجالا ودلهم على المخاضة ولم يكن يعلم بها أحد سواه ممن سكن اليرموك وقال لهم: ناوشوهم الحرب ثم انهزموا ودعوني وإياهم ففعلوا ذلك وصاحوا فيهم وحملوا ثم انهزموا قدامهم نحو المخاضة فعند ذلك صاح أبو الجعيد برفيع صوته يا معاشر الروم دونكم ومن انهزم فهؤلاء المسلمون قد اوقدوا نيرانهم وعولوا على الحرب قال فأقبلت الروم على حال عجلة يظنون أن ذلك حق فبعضهم ركب جواجه عريانا وبعضهم راجل وساروا في طلب المنهزمين وأبو الجعيد يعدو بين أيديهم إلى أن اوقفهم على الناقوصة وقال لهم: هذه المخاضة دونكم وإياهم فاقبلوا يتساقطون في الماء كتساقط الجراد حتى هلك في الماء ما لا يعد.

ولا يحصى عددا ولا يدركه جنان فسمتها العرب الناقوصة لنقص الروم قال الواقدي: هذا ما جرى للروم ولا يعلم الأول بما جرى للآخر حتى أصبحوا فنظروا المسلمين في أماكنهم فعلموا إنهم قد دهموا في الليل وقل عددهم وتبدد شملهم فقال بعضهم لبعض من كان الصائح في ليلتنا قال الرجل الذي عبثتم بزوجته وقتلتم ولده وقد أخذ بثاره منكم قال فلما أصبح ماهان وعلم الحقيقة وعلم ما نزل بأصحابه علم إنه هالك لا محالة وأن العرب ظافرون عليه فبعث إلى قورين فقال: ما ترى أن أصنع وقد ظهرت العرب علينا وأن حملوا علينا حملة لم ينفلت منا أحد فهل لك أن تسألهم أن يأخروا القتال حتى نفعل الحيلة في خلاص أنفسنا قال قورين أفعل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>