قال: فدعا ماهان برجل من لخم وبعثه إلى المسلمين يقول لهم: اعلموا أن الحرب سجال والدنيا زوال وقد مكرتم بنا فلا تبغوا فالبغي له مصرع واخروا الحرب عنا يومنا هذا فإذا كان غد يكون الانفصال بيننا وبينكم قال فأقبل اللخمي إلى أبي عبيدة وبلغه الرسالة فهم أبو عبيدة أن يجيبهم إلى ذلك فمنعه خالد من ذلك وقال له: لا نفعل أيها الأمير فما عند القوم خير بعد ذلك فقال أبو عبيدة: ارجع إلى صاحبك وقل له لا نؤخر عنك القتال وأنا على عجل من أمرنا فرجع الرسول إلى ماهان فأعلمه بجواب أبي عبيدة فعظم عليه وكبر لديه وكفر وتجبر وقال لقد كنت أتربص بنفسي عن العرب أرجو بذلك الصلح فوحق الصليب لا يبرز لهم غيري ثم صرخ بالروم وأصحاب سرير الملك ومن كان يتكل عليه في الشدائد وأمرهم أن يأخذوا الأهبة فاستعدوا وخرج ماهان في مقدمة الجيش والصليب أماه وإذا بالمسلمين أخذوا مصافهم للقتال وذلك أن أبا عبيدة صلى بالمسلمين صلاة الفجر وأمرهم بالسرعة للقتال وأخذوا مواضعهم للحرب ففعلوا وقد ايقنوا إنهم منصورون على عدوهم وصف أبو عبيدة أصحاب الرايات ووقف هو وخالد في الخيل المعروفة بخيل الزحف وطلعت الشمس وخرج جرجير هو وبعض ملوك الروم ودعا بالبراز وقال: لا يبرز لي إلا أمير العرب فسمعه أبو عبيدة فسلم الراية إلى خالد وقال أنت للراية يا أبا سليمان فإن عدت من قتاله فالراية لي وأن هو قتلني فامسك رايتك حتى يرى عمر رأيه فقال خالد: أنا لقتاله دونك فقال أبو عبيدة: لا هو طلبني ولا بد لي من الخروج إليه وأنت شريكي في الأجر فخرج أبو عبيدة وما أحد من المسلمين إلا وهو كاره لذلك فأقبلوا يسألونه فلج في الخروج فتركوه ورأيه فلما قرب أبو عبيدة من جرجير وعاينه قال له: أنت أمير هذا الجيش فقال أبو عبيدة: أنا ذلك وقد أجبتك إلى ما طلبت من أمر البراز فدونك وعرض الميدان فأما هزمتكم أو قتلتك واقتل ماهان بعدك فقال جرجير امة الصليب تغلبكم وحمل جرجير على أبي عبيدة وحمل أبو عبيدة على جرجير وطال بينهما القتال وبقي خالد ينظر إلى أبي عبيدة ويدعو له بالسلامة والنصر وجميع المسلمين يدعون له قال وفر جرجير أمام أبي عبيدة وأخذ في عرض الجيش وطلب في فراره جيش المشركين في الميمنة وتبعه أبو عبيدة على أثره فعندها عطف عليه جرجير وخرج كأنه البرق والتقيا بضربتين فكان أبو عبيدة أسبق فوقعت الضربة على عاتق جرجير فخرجت من علائقه فكبر عند ذلك أبو عبيدة وكبر المسلمون ووقف أبو عبيدة على مصرع جرجير وجعل يتعجب من عظم جثته ولم يأخذ من سلبه شيئا فناداه به خالد لله درك أيها الأمير ارجع إلى رايتك فقد قضيت ما يجب عليك فلم يرجع أبو عبيدة فاقسم عليه المسلمون أن يرجع فرجع وأخذ الراية من يد خالد ونظر ماهان إلى جرجير فعظم ذلك عليه وكبر لديه لانه كان ركنا من أركانهم فهم بالهزيمة ثم قال في نفسه ماذا يكون عذري عند هرقل ولا بد أن أبرز إلى الحرب فإن قتلت فقد.