زهير بن عابد: ولقد رايته وهو يسير به وهو راجل ومالك فارس حتى طرحه في رحل مالك فقال أبو عبيدة: بأبي وأمي والله قوم وهبوا أنفسهم لله وما يريدون الدنيا قال فلما قتل البطريق قص جناح ماهان فصاح بقومه وجمعهم إليه وقال لهم: اسمعوا يا أصحاب الملك وبلغوه عني إني ما تركت جهدي في نصرة هذا الدين وحاميت عن الملك وقاتلت عن نعمته وما أقدر أن أغالب رب السماء لانه قد نصر العرب علينا وملكهم بلدنا والآن مالي وجه ارجع به إلى الملك حتى أخرج إلى الحرب وأبرز إلى مقام الطعن والضرب وعزمت أن أسلم الصليب إلى أحدكم وأبرز إلى قتال المسلمين فإن قتلت فقد استرحت من العار ومن توبيخ الملك لي وأن رزقت النصر وأثرت في المسلمين أثرا ورجعت سالما علم الملك إني لم أقصر عن نصرته فقالوا: أيها الملك لا تخرج إلى الحرب حتى نخرج نحن إلى القتال قبلك فإذا قتلنا فافعل بعدنا ما شئت قال فحلف ماهان بالكنائس الأربع لا يبرز أحد قبله قال فلما حلف أمسكوا عنه وعن مراجعته ثم إنه دعا بابن له فدفع إليه الصليب وقال: قف مكاني وقدم لماهان عدة فأفرغت عليه.
قال الواقدي: وبلغنا أن عدته التي خرج بها إلى الحرب تقومت بستين ألف دينار لأن جميعها كان مرصعا بالجوهر فلما عزم على الخروج تقدم له راهب من الرهبان فقال: أيها الملك ما أرى لك إلى البراز سبيلا ولا أحبه لك قال ولم ذلك قال: لاني رأيت لك رؤيا فارجع ودع غيرك يبرز فقال ماهان لست أفعل والقتل أحب الي من العار قال فبخروه وودعوه وخرج ماهان إلى القتال وهو كأنه جبل ذهب يبرق وأقبل حتى وقف بين الصفين ودعا إلى البراز وخوف باسمه فكان أول من عرفه خالد بن الوليد فقال هذا ماهان هذا صاحب القوم قد خرج ووالله ما عندهم شيء من الخير قال وماهان يرعب باسمه فخرج إليه غلام من الأوس وقال والله أنا مشتاق إلى الجنة وحمل ماهان وبيده عمود من ذهب كان تحت فخذه فضرب به الغلام فقتله وعجل الله بروحه إلى الجنة قال أبو هريرة رضي الله عنه فنظرت إلى الغلام عندما سقط وهو يشير باصبعه نحو السماء ولم يهله ما لحقه فعلمت أن ذلك لفرحه بما عاين من الحور العين قال: فجال ماهان على مصرعه وقوي قلبه ودعا إلى البراز فسارع المسلمون إليه فكل يقول: اللهم اجعل قتله على يدي وكان أول من برز مالك النخعي الاشتر رضي الله عنه وساواه في الميدان فابتدر مالك ماهان بالكلام وقال له: أيها العلج الأغلف لا تغتر بمن قتلته وإنما أشتاق صاحبنا إلى لقاء ربه وما منا إلا من هو مشتاق إلى الجنة فإن أردت مجاورتنا في جنات النعيم فانطق بكلمة الشهادة أو أداء الجزية وإلا فانت هالك لا محالة فقال له ماهان: أنت صاحبي خالد بن الوليد قال: لا أنا مالك النخعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماهان: لا بد لي من الحرب ثم حمل على مالك وكان من أهل الشجاعة فاجتهدا في القتال فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكا على البيضة التي على