المخاطب عنكم فكلمه قس من القساوسة عليه مدارع الشعر وقال أنا المخاطب عنهم ماذا تريد فقال الترجمان أن هذا الأمير يقول: كذا وكذا ويدعوكم إلى أحدى هذه الخصال الثلاث أما الدخول في الإسلام او اداء الجزية واما السيف قال فبلغ القس من وراءه ما قال الترجمان قال فضجوا بكلمة كفرهم وقالوا: لا نرجع عن دين العز والقبول وأن قتلنا اهون علينا من ذلك فبلغ الترجمان ذلك ليزيد قال فمشى إلى الأمراء وأخبرهم بجواب القوم قال لهم: ما انتظاركم بهم فقالوا: إن الأمير أبا عبيدة ما أمرنا بالقتال ولا بحرب القوم بل بالنزول عليهم ولكن نكتب إلى أمين الأمة فإن امرنا بالزحف زحفنا فكتب يزيد بن ابي سفيان إلى ابي عبيدة يعلمه بما كان من جواب القوم فما الذي تأمر فكتب إليهم أبو عبيدة يأمر بالزحف وانه وأصل في أثر الكتاب فلما وقف المسلمون على كتاب ابي عبيدة فرحوا واستبشروا وباتوا ينتظرون الصباح.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن المسلمين باتوا تلك الليلة كأنهم ينتظرون قادما يقدم عليهم من شدة فرحهم بقتال أهل بيت المقدس وكل أمير يريد أن يفتح على يديه فيتمتع بالصلاة فيه والنظر إلى آثار الأنبياء قال فلما أضاء الفجر أذن وصلت الناس صلاة الفجر قال فقرأ يزيد لأصحابه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا}[المائدة: ٢١] الآية فيقال أن الأمراء أجرى الله على ألسنتهم في تلك الصلاة أن قرأوا هذه الآية كأنهم على ميعاد واحد فلما فرغوا من الصلاة نادوا النفير النفير يا خيل الله اركبي قال فأول من برز للقتال حمير ورجال اليمن وبرز المسلمون للحرب كأنهم أسود ضارية ونظر إليهم أهل بيت المقدس وقد انشرحوا لقتالهم فنشطهم ورشقوا المسلمين بالنشاب فكانت كالجراد فجعل المسلمون يتلقونها بدرقهم فلم تزل الحرب بينهم من الغد إلى الغروب يقاتلون قتالا شديدا ولم يظهروا فزعا ولا رعبا ولم يطمعوهم في بلدهم فلما غربت الشمس رجع الناس وصلى المسلمون ما فرض الله عليهم وأخذوا في اصلاح شأنهم وعشائهم فلما فرغوا من ذلك أوقدوا النيران واستكثروا منها لأن الحطب عندهم كثير فبقي قوم يصلون وقوم يقرأون وقوم يتضرعون وقوم نائمون مما لحقهم من التعب والقتل فلما كان الغد بادر المسلمون إليهم وذكروا الله كثيرا وأثنو عليه وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدمت رماة النبل وأقبلوا يرمون ويذكرون الله وهم يضجون إلى الله بالدعاء.
قال الواقدي: ولم يزل المسلمون على القتال عدة أيام وأهل بيت المقدس يظهرون الفرح وانه ليس على قلوبهم من هم ولا جزع فلما كان اليوم الحادي عشر أشرفت عليهم راية أبي عبيدة يحملها غلامه سالم ومن ورائها فرسان المسلمين وابطال الموحدين