وقد أحدقوا بأبي عبيدة وخالد عن يمينه وعبد الرحمن بن أبي بكر عن يساره وجاءت النسوان والأموال وضج الناس ضجة واحدة بالتهليل والتكبير فاجابتهم القبائل ووقع الرعب في قلوب أهل بيت المقدس فانقلب كبارهم وعظماؤهم وبطارقتهم إلى البيعة العظمى عندهم وهي الغمامة فلما وقفوا بين يدي جئليقهم وكانوا يعظمونه ويبجلونه فلما سمعوا تلك الضجة دخلوا عليه ووقفوا بين يديه وخضعوا له وقالوا: يا ابانا قد قدم أمير القوم إلينا ومعه بقية المسلمين وهذه الضجة بسببه فلما سمع بتركهم وجائليقهم تغير لونه وتغير وجهه وقال هي هي قالوا: ما ذلك أيها البترك والاب الكبير قال وحق الإنجيل أن كان قدم اميرهم فقد دنا هلاككم والسلام قالوا: وكيف ذلك قال: لانا نجد في العلم الذي ورثناه عن المتقدمين أن الذي يفتح الأرض في الطول والعرض هو الرجل الاسمر الأحور المسمى بعمر صاحب نبيهم محمد فإن كان قد قدم فلا سبيل لقتاله ولا طاقة لكم بنزاله ولا بد لي أن اشرف عليه وانظر إليه والى صورته فإن كان إياه عمدت إلى مصالحته واجبته إلى ما يريد وأن كان غيره فلا نسلم إليه قط لأن مدينتنا لا تفتح إلا على يد من ذكرته لكم والسلام ثم إنه وثب قائما والقسوس والرهبان والشمامسة من حوله وقد رفعوا الصلبان على رأسه وفتحوا الإنجيل بين يديه ودارت البطارقة من حوله وصعد على الصور من الجهة التي فيها أبو عبيدة فنظر إلى المسلمين وهم يسلمون عليه ويعظمونه ثم يرجعون إلى القتال كأنهم الاسد الضارية فناداهم رجل ممن كان يمشي بين يدي البترك فقال: يا معاشر المسلمين كفوا عن القتال حتى نستخبركم ونسألكم قال فأمسك الناس عن القتال فناداهم رجل من الروم بلسان عربي فصيح اعلموا أن صفة الرجل الذي يفتح بلدنا هذا وجميع الأرض عندنا فإن كان هو أميركم فلا نقاتلكم بل نسلم إليكم وأن لم يكن إياه فلا نسلم إليكم أبدا.
قال الواقدي: فلما سمع المسلمون ذلك أقبل نفر منهم إلى ابي عبيدة وحدثه بما سمعوه قال فخرج أبو عبيدة إليهم إلى أن حاذاهم فنظر البترك إليه وقال ليس هو هذا الرجل فابشروا وقاتلوا عن بلدكم ودينكم وحريمكم فلما سمعوا قوله رفعوا أصواتهم وأعلنوا بكلمة كفرهم وأقبلوا يقاتلون القتال الشديد وعاد البترك إلى القمامة ولم يخاطب أبا عبيدة بكلمة واحدة بل أمر قومه بالحرب والقتال وعاد أبو عبيدة إلى أصحابه فقال خالد: ما كان منك أيها الأمير فقال: لا علم لي غير إني خرجت إليهم كما رايت وأشرفت علي شيطان من شياطينهم الذي يضلهم فما هو غير أن نظر لي وتاملني حتى ضجوا ضجة واحدة وولى عني ولم يكلمني فقال خالد: يوشك أن يكون لهم في ذلك تأويل ورأي فنقف عليه ونعلم نبأه ثم قال شدوا عليهم الحرب والقتال فشد عليهم المسلمون.