للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواقدي: وكان نزول المسلمين على بيت المقدس في أيام الشتاء والبرد وظنت الروم أن المسلمين لا يقدرون عليهم في ذلك الوقت قال: وزحف المسلمون إليهم وبرزت النبالة من أهل اليمن وصمم أصحاب القسي ورشقوهم بالنبل وكانوا غير محترزين من النبل لقلة أكتراثهم به حتى رأوا النبل ينكسهم على رؤوسهم من وراء ظهورهم وهم لا يشعرون قال مهلهل لله در عرب اليمن فلقد رأيتهم يرمون بالنبل الروم فيتهافتون من سورهم كالغنم فلما رأوا ما صنع بهم النبل احترزوا منه وستروا السور بالحجف والجلود وبما يرد النبل قال ونظرت الروم إلى ضرار بن الأزور وقد اقبل نحو الباب الأعظم وعليه بطريق كبير وعلى رأسه صليب من الجوهر وحوله غلمان وعليهم الطوارق وبأيديهم القسي الموترة والعمد وهو يحرص القوم على القتال قال عوف بن مهلهل إلى ضرار وقد قصد نحوه وهو يختفي ويستتر إلى أن قرب من البرج الذي عليه البطريق ثم أطلق إليه نبلة قال عوف فنظرت الىالنبلة مع علو هذا الجدار وقد خرجت من قوس ضرار والبرج عال رفيع فقلت: وما تكون هذه النبلة مع علو هذا الجدار وما الذي تصنع في هذا العلج وعليه هذه اللامة اللامعة فاقسم بالله لقد وقعت هذه النبلة في فيه فتردى إلى أسفل برجة فسمعت للقوم ضجة عظيمة ورجولة هائلة فعلمت إنه قتل قال ولم يزل أبو عبيدة ينازل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة وما من يوم إلا ويقاتلهم قتالا شديدا والمسلمون صابرون على البرد والثلج والمطر فلما نظر أهل بيت المقدس إلى شدة الحصار وما نزل بهم من المسلمين قصدوا القمامة ووقفوا بين يدي بتركهم وسجدوا بين يديه وعظموه وقالوا له: يا ابانا قد دار علينا حصار هؤلاء العرب ورجونا أن يأتينا مدد من قبل الملك ولا شك إنه اشتغل عنا بنفسه من أجل هزيمة جيشه وإنهم أشهى منا للقتال وإنهم من يوم نزلوا علينا لم نخاطبهم بكلمة واحدة ولم نجبهم احتقارا منا لهم والآن قد عظم علينا الأمر وأنا نريد منك أن تشرف على هؤلاء العرب وتنظر ما الذي يريدون منا فإن كان أمرهم قريبا أجبنا إلى ما يريدون ويطلبون وأن كان صعبا فتحنا الأبواب وخرجنا إليهم فاما أن نقتل عن آخرنا واما أن نهزمهم عنا فأجابهم البترك إلى ذلك واشتمل بلباسه وصعد معهم على السور وحمل الصليب بين يديه واجتمع القسوس والرهبان حوله وبايديهم الأناجيل مفتحة والمباخر حتى اشرف على المكان الذي فيه أبو عبيدة فنادى منهم رجل بلسان فصيح العربية يا معاشر العرب أن عمدة دين النصرانية وصاحب شريعتها قد أقبل يخاطبكم فليدن منا أميركم فأخبروا أبا عبيدة بمقالهم فقال والله إني لاجيبه حيث دعاني ثم قام أبو عبيدة وجماعة من الأمراء والصحابة ومعه ترجمان فلما وقف بازائه قال لهم الترجمان: ما الذي تريدون منا في هذه البلدة المقدسة ومن قصدها يوشك أن الله يغضب عليه ويهلكه فأخبره الترجمان بذلك فقال قل لهم: نعم إنها شريفة ومنها

<<  <  ج: ص:  >  >>