عنكم ثم أمرهم بالرحيل فلما هم بالركوب على بعيره وعليه مرقعة من صوف وفيها أربع عشرة رقعة بعضها من أدم.
قال الواقدي: بلغني ممن أثق به إنها كانت مرقعة من صوف فقال له المسلمون: يا أمير المؤمنين لو ركبت بدل بعيرك جوادا ولبست ثيابا بيضا قال ففعل قال الزبير احسب إنها كانت من ثياب مصر تساوي خمسة عشر درهما وطرح على عاتقه منديلا من كتان ليس جديدا ولا بالخلق دفعه إليه أبو عبيدة وقدم إليه برذون أشهب من براذين الروم فلما صار عمر على ظهره جعل البرذون يهملج به فلما نظر عمر إلى البرذون وفعاله نزل عنه مسرعا وقال: أقيلوا عثرتي اقال الله عثرتكم يوم القيامة فقد كاد اميركم أن يهلك بما دخل من العجب والكبر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر" ولقد كاد أن يهلكني ثوبكم الأبيض وبرذونكم المهملج ثم أن عمر رضي الله عنه نزع ما كان عليه ثم عاد إلى لبس مرقعته.
قال الواقدي: كنا يوم نقرأ فتوح الشام وفتوح بيت المقدس عند قبر أبي حنيفة وكان الفتوح يقرأ على عبادة بن عوف الدينوري وكان من أهل الفضل وكان يسجع كلامه فلما وصل إلى ما ذكرناه من لبس عمر لمرقعته قال قد سمح خاطري بما أنا قائله.
قال الواقدي: قلت: قل: ولا تخف الصدق فتهوى في النار وأن الصدق أمانة والكذب خيانة قال لما لبس عمر مرقعته وجعل يتميز في شمائل فقره والكائنات تتعجب من زهده وصبره عندما تزينت له الدنيا بملابسها وتراءت له في حلل أمنيتها بواسطة حدثان مشيئتها وقد جعلت أشباح شهواتها على قمة رأس مرآتها وأقبلت رافلة في حلة مراودته مطلقة عند الطمع في طلب زوال مجاهدته معرضة بملابس جمالها على سوق معارضته في سناء قبلة مرآة تبهرجها في عين مشاهدته واقفة على قدم الاستدراج إلى ترك خدمته جاعلة ودادها ذريعة إلى وصلته وعمر قد أمسك عرا طاعته بيد عصمته فلما نصبت له حبائل بلاها ولم تره وقع في أشراك هواها اسمعت في معناها قد شغفها حبا أنا لنراها وقالت: يا عمر قد وليت أرضي فلا بد من القيام بفرضي فالولاية لا تقوم إلا بالملابس الهنية والمآكل الشهية والظلم في الرعية فقال عمر اذهبي فلست من رجالك ولا ممن يقع في حبالك ولا في أوحالك أما علمت إني قد تجردت لمعاندتك ولا حاجة لي في مشاهدتك وها أنا على قدم تجردت لاقامة دعوة سيد الأمم حتى افتح بلاد الروم والعجم ثم اظهر في وجهها صارم اجتهاده من معنى قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج: ٧٨] .