قال الواقدي: فاستحسنت هذا الكلام والحقت ما قاله في هذا الموضع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" قال وأن عمر سار يريد العقبة ليصعد منها إلى بيت المقدس فلقيه قوم من المسلمين وعليهم ثياب الديباج مما أخذوه من اليرموك فأمر عمر أن يحثوا التراب في وجوههم وأن تمزق عليهم ولم يزل على ذلك حتى أشرف على بيت المقدس فلما نظر إليها قال الله أكبر اللهم افتح لنا فتحا يسيرا واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا ثم سار واستقبلته العشائر والقبائل وأصحاب العقود وسار عمر حتى نزل بالموضع الذي كان فيه أبو عبيدة وضربت له خيمة من شعر وجلس فيها هناك على التراب ثم قام يصلي أربع ركعات.
قال الواقدي: وعلت للمسلمين ضجة عظيمة وصياح مزعج بالتهليل والتكبير فسمع أهل بيت المقدس الضجة والجلبة فقال لهم البترك: يا ويلكم ما شأن العرب قد ارتفعت لهم جلبة من غير شيء فاشرفوا عليهم وانظروا ما شأنهم.
قال الواقدي: فأشرف عليهم رجل ممن يعرف العربية فقال: يا معاشر العرب أخبرونا ما قصتكم قالوا: إن أمير المؤمنين عمر قد قدم علينا من مدينة نبينا وهذه الضجة من فرح المسلمين به قال فرجع وأعلم البترك فأطرق إلى الأرض ولم يتكلم فلما كان الغد وصلى عمر بالناس صلاة الفجر قال لابي عبيدة: يا عامر تقدم إلى القوم وأعلمهم إني قد أتيت قال فخرج أبو عبيدة وصاح بهم وقال: يا أهل هذه البلدة أن صاحبنا أمير المؤمنين قد ورد فما تصنعون فيما قلتم قال فاعلموا البترك فخرج من كنيسته وعليه المسوح وترجل الرهبان والقسوس والاساقفه معه وقد حمل بين يديه صليب لا يخرجونه إلا في عيدهم وسار معه البطاليق الوالي عليهم وهو يقول للبترك: يا ابانا أن كنت تعرفه معرفة حقيقية وإلا فلا تفتح له ودعنا وهؤلاء العرب فاما أن بنيدهم واما أن يبيدونا قال البترك أنا أفعل ذلك ثم صعدا على الصور ووقف البطاليق إلى جانبه والصليب أمامهم واشرف على أبي عبيدة وقال: ما تشاء أيها الشيخ الباهي قال أبو عبيدة: هذا أمير المؤمنين عمر وليس عليه أمير قد أتى فاخرجوا إليه واعقدوا معه الأمان والذمة واداء الجزية فقال البترك يا ذا الرجل أن كان صاحبك الذي ليس عليه أمير قد أتى فدعه يدن منا فانا نعرفه بنعته وصفته وأفردوه من بينكم وليقف بازائنا حتى نراه فإن كان صاحبنا الذي نعته في الإنجيل نزلنا إليه وعقدنا معه الأمان وأقررنا له بالجزية وأن كان غير الذي نجد نعته في الإنجيل وصفته فما لكم عندنا غير القتال قال فرجع أبو عبيدة إلى عمر واخبره بما قاله البترك فهم عمر بالقيام فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين تخرج إليهم منفردا وليس عليك آلة حرب غير هذه المرقعة وأنا نخشى عليك منهم غدرا أو مكرا فينالون منك فقال عمر: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ