للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:٥١] ثم أمر ببعيره فقدم إليه فاستوى في ركوبه عليه وعليه مرقعة ليس عليه غيرها وعلى رأسه قطعة عباءة قطوانية وقد عصب بها رأسه وليس معه غير أبي عبيدة رضي الله عنه وهو سائر بين يديه حتى قرب من السور ووقف بازاء السور والبترك والبطاليق عليه فتكلم أبو عبيدة وقال: يا هؤلاء هذا أمير المؤمنين قد أتى فمسح البترك عينه ونطر إليه وزعق بأعلى صوته هذا والله الذي نجد صفته ونعته في كتبنا ومن يكون فتح بلادنا على يديه بلا محالة ثم إنه قال لأهل بيت المقدس: يا ويحكم انزلوا إليه واعقدوا معه الأمان والذمة هذا والله صاحب محمد بن عبد الله.

قال الواقدي: فلما سمعت الروم كلام البترك نزلوا مسرعين وكانوا قد ضاقت أنفسهم من الحصار ففتحوا الباب وخرجوا إلى عمر بن الخطاب يسالونه العهد والميثاق والذمة ويقرون له بالجزية فلما نظر إليهم عمر على تلك الحالة تواضع لله وخر ساجدا على قتب بعيره ثم نزل إليهم وقال ارجعوا إلى بلادكم ولكم الذمة والعهد إذ سألتمونا واقررتم بالجزية قال فرجع القوم إلى بلدهم ولم يغلقوا الأبواب ورجع عمر إلى عسكره فبات فيه ليلة فلما كان الغد قام فدخل إليها وكان دخوله يوم الاثنين واقام بها إلى يوم الجمعة وخط بها محرابا من جهة الشرق وهو موضع مسجده فتقدم وصلى هو وأصحابه صلاة الجمعة فهمت الروم بغدرهم وكان أبو الجعيد الذي احتال على الروم باليرموك ببيت المقدس هو وأهله وماله فقالوا: ما ترى في غدر هؤلاء العرب إذا هم اشتغلوا بصلاتهم وليس معهم آلة حرب ولا ما يحترزون به من الضرب والقتل فقال لهم أبو الجعيد: يا قوم لا تفعلوا ولا تغدروا بهم فإن فعلتم ذلك أخبرتهم بما تريدون أن تفعلوا بهم فقالوا: وما الذي نصنع فقال أبو الجعيد اظهروا للعرب ما لكم من الزينة ومتاع الدنيا فإن متاع الدنيا وما فيها لا يصبر صاحبهما عنهما فإن طلبوهما بغدر فشأنكم وما تريدون قال فأقبل القوم على ما كانوا يقدرون عليه من المال والمتاع الحسن فاظهروه وصفوه في طريق المسلمين وشوارعهم فجعل المسلمون ينظرون إلى ذلك في دخولهم وخروجهم وهم يعجبون منهم ولم يمل أحد منهم إليه ولم يلمسه وهم يقولون الحمد لله الذي أورثنا ديار قوم مثل هذا ولو ساوت الدنيا عند الله جناح بعوضة لما سقي كافرا منها شربة ماء قال عوف بن سالم فوالله ما من المسلمين من جعل يده على شيء من متاعهم ولا لمسه فقال لهم أبو الجعيد: هؤلاء القوم الذين وصفهم الله في التوراة والإنجيل وإنهم لا يزالون على الحق ولا يقر بهم أحد ما داموا على ما هم عليه.

قال الواقدي: واقام عمر في بيت المقدس عشرة ايام قال شهر بن حوشب سمعت كعب الأحبار يقول: أن عمر بن الخطاب لما صالح أهل بيت المقدس ودخلها أقام فيها عشرة أيام فاقبلت إليه وكنت في قرية من فلسطين وتقدمت إليه لأسلم عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>