في دينهم ومنهم من رجع إلى دينهم ومنهم من قاتلهم فأما الذي فاتلهم فخسر فهل لكم أن تسيروا إلى أمير المؤمنين ونسأله الصلح ونصالح عن مدينتنا وندفع إليه ما أحب من أموالنا فإن ظفر المسلمون بالبطريق يوقنا نكن نحن آمنين غير وجلين منهم ونقر عينا من بأسهم وأن صالح يوقنا القوم نكن نحن قد سبقناه إلى الصلح وأن غلب ورجع سالما لم نبلغه ولم نعلمه واستوى رايهم على ذلك فخرج منهم ثلاثون رجلا من رؤسائهم وسلكوا طريقا غير طريق يوقنا حتى اشرفوا على عسكر المسلمين فنادوا الغوث الغوث وكان العرب قد علمت أن الغوث بالرومية هو الأمان وقال لهم الأمير: فمن سمعتموه يقولها فلا تعجلوا عليه بالقتل لئلا يطالبكم الله يوم القيامة وعمر بريء منه فكان العرب يعرفونها فلما سمع المسلمون منهم ذلك أسرعوا إليهم واوقفوهم بين يدي أبي عبيدة فقال خالد: يوشك أن هؤلاء يطلبون الصلح والأمان لأنفسهم وهم أهل حلب قال أبو عبيدة: أرجو ذلك أن شاء الله تعالى وأن صالحوني صالحتهم وهو لا يعلم ما أصابه من الحرب الشديد والقتل العتيد وكان قدومهم عليه ليلا والنيران تضرم بين يديه وكان في العسكر رجال قيام في صلاتهم يتلون القرآن فجعل بعضهم يقول لبعض: بهذه الفعال ينصرون علينا فلما سمع الترجمان مقالهم أخبر أبا عبيدة بما قد تناجوا بينهم فقال أبو عبيدة: أنا قوم قد سبقت لنا العناية من ربنا وأنا رجال لا نريد من الله ورسوله بدلا ولن نجزع من قتال الأعداء فأخبرهم الترجمان بذلك ثم قال لهم: من أنتم قالوا: نحن سكان حلب من تجارها وسوقتها ورؤسائها وقد جئنا نطلب منكم الصلح فقال أبو عبيدة: فكيف نصالحكم وقد بلغنا أن بطريقكم قد صمم على قتالنا وقد حصن قلعته وجعل فيها ما يقوته سنين واتخذ الجند وأكثر من ذلك وما لكم عندنا صلح فقالوا: أيها الأمير أن صاحبنا قد خرج من عندنا يريد حربكم وقتالكم قال أبو عبيدة: ومتى خرج قالوا: خرج سحر ونحن من بعده وسلكنا طريقا غير طريقه وأنا نرجوا إنه هالك لا محالة لانه ركب البغي ولم يرض بالصلح وقد أطاع هواه فقد وقع في شرك الردى فلما سمع أبو عبيدة بخروج البطريق خاف على طليعته منه فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هلك والله كعب ومن معه أنا لله وأنا إليه راجعون ثم اطرق إلى الأرض فقالوا: لبعض مشايخ أهل حلب كلم لنا الأمير في الصلح قال فكلمه فقال أبو عبيدة: بضجر لا صلح لكم عندنا قال فخاف الشيوخ على أنفسهم وقالوا: أنا قد اجتمع عندنا من القرى والرساتيق خلق كثير فإن صالحتمونا عمرنا لكم الأرض وكنا لكم عونا على عمارتها وعشنا في ظلكم ايام عدلكم وأن أنتم أبيتم ذلك فر الناس عنكم وطلبوا أقصى البلاد وشاع الخبر عنكم إنكم لا تصالحون فلا يبقى حولكم أحد قال فأعلمه الترجمان بما قالوا: فجعل ينظر إليهم وإذا قد برز من القوم وصاح رجل احمر الوجه وكان من حكماء الروم فصيحا بلسان عربي فقال: أيها الأمير اسمع ما ألقيه إليك من العلم الذي