كانوا بالشام فهذه العرب العاربة لأن لسانهم الذي جبلوا عليه العربية وأعطى حاما الغرب والساحل وأعطى يافث ما بين المشرق والمغرب:{إِنَّ الْأرض لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: ١٢٨] ونريد أن نرد هذه القسمة فنأخذ ما في أيديكم من العمارة والأنهار عوضا عما نحن فيه من الشوك والحجارة والبلد القفر فلما سمع فلسطين كلام عمرو بن العاص علم أنه رجل ماكر فقال له: صدقت في قولك إلا أن القسمة قد جرت فإن نقضتموها كنتم من الباغين علينا واعلم أنه ما حملكم على ذلك وأخرجكم من بلادكم إلا الجهد العظيم فقال له عمرو: أيها الملك أما زعمت أن الجهد أخرجنا من بلادنا فنعم كنا نأكل خبز الشعير والذرة فإذا راينا طعامكم واستحسناه فلن نبارحكم حتى نأخذ البلاد من أيديكم وتصيروا لنا عبيدا ونستظل تحت أصول هذه الشجرة العالية والفروع المورقة والأغصان الطيبة الثمار فإن منعتمونا مما ذقناه من بلادكم من لذيذ العيش فما عندنا إلا رجالا أشوق إلى حربكم من حبكم الحياة لآنهم يحبون القتال كما تحبون أنتم الحياة قال: وأفحم فلسطين عن جوابه فرفع رأسه إلى قومه وقال أن هذا العربي صادق في قوله وحق الكنائس والقربان والمسيح والصلبان ما لنا معهم ثبات قال عمرو فوجدت إلى وعظهم سبيلا وقلت معاشر الروم أن الله عز وجل قد قرب عليكم ما كنتم تطلبون أن كنتم تريدون بلدكم فادخلوافي ديننا وصدقوا قولنا فإن الدين عند الله الإسلام.
قال فلسطين يا عمرو انا لا نفارق ديننا وعليه مات آباؤنا وأجدادنا قال عمرو فإن كرهت الإسلام فاعطنا الجزية منك ومن قومك وأنتم صاغرون قال فلسطين لا أجيبك إلى ذلك لأن الروم لا تطاوعني إلى أداء الجزية ولقد قال لهم: أبي ذلك من قبل فأرادوا قتله فقال هذا ما عندي من الأعذار ولقد حذرتكم ما استطعت ولم يبق بيننا حكم إلا السيف والله يعلم أني دعوتكم إلى أمر فيه النجاة فعصيتموه كما عصى أبوكم عيصو عن أمه فخرج من الرحم قبل أخيه يعقوب وأنتم تزعمون أنكم أقرباؤنا في النسب وأنا لبراء إلى الله عز وجل منكم ومن قرابتكم إذ أنتم تكفرون بالرحيم أنتم من والد عيصو بن اسحق ونحن من ولدا اسمعيل بن ابراهيم عليه السلام وإن الله تعالى اختار لنبينا خير الأنساب من لدن آدم إلى أن أخرج من صلب أبيه عبد الله فجعل خير الناس من ولد اسماعيل فتكلم بالعربية وتكلم اسحق على لسان أبيه فولد اسمعيل العرب ثم جعل خير الناس كنانة ثم جعل خير العرب قريشا وخير قريش بني هاشم ثم جعل خير بني هاشم بني عبد المطلب وخير بني عبد المطلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه رسولا واتخذه نبيا وأهبط عليه جبريل بالوحي وقال له: طفت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر أفضل منك قال فخضعت جوارح القوم حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجلت قلوبهم ودخلت الهيبة في قلب فلسطين حين سمع كلام عمرو فقال صدقت في قولك كذلك