فإذا هم طغاة لا دين لهم فهربنا بديننا ونحن اصحاب حلب وقنسرين وعزاز ودارم وانطاكية ونحن قاصدون إلى الملك هرقل لنكون في جنابه فلما سمع جرفاس من القوم ذلك فرح بهم وأنس لكلامهم وقال انزلوا عندنا كي تستريحوا ساعة من التعب فلا شك إنكم سرتم الليل والنهار وخافت أنفسكم من العرب قال يوقنا اين انتم سائرون قال بعث الينا فلسطين لنكون في طرابلس فقال يوقنا تيقظوا لأنفسكم فإن أمير العرب أبا عبيدة تركناه على نية القدوم إلى الساحل فقال جرفاس وماذا ينفع حذرنا ودولتنا قد اضمحلت وأيامنا قد ولت ولسنا نرى الصليب يغني عن أهله شيئا.
قال الواقدي: فنزلوا عندهم ساعة وقدموا لهم من أزوادهم فاكلوا ثم ركبوا وهم جرفاس أن يركب لركوبهم فقال يوقنا اشتغل باصحابك والبسهم أفخر ثيابهم فإن ذلك مما يظهر الرعب في قلوب أعدائكم.
قال الواقدي: حدثني سليم بن عامر عن نوفل بن عبد الله عن جرير بن البكاء وكان أعرف الناس بفتوح الشام قال: ما دخل إلى ساحل البحر حتى أتقن الحيلة وذلك أنه قد نزل فيه الحرث بن سليم من بني عمه يرعون ابلهم وكانوا في مائتي بيت من العرب فأغار عليهم يوقنا وأخذهم وشدهم كتافا ودخل بهم إلى بلاد الساحل فلما جن الليل جمعهم إليه وقال: لا تظنوا إني رجعت عن الإسلام وإنما فعلت بكم هذا كي تسمع الروم بسواحلها إني غدرت بالعرب وأخذتهم قال فاطمأنت العرب إلى كلامه وقالوا له: أن كنت تريد اقامة دين الله فالله ينصرك وبالاعداء يظفرك قال: ووكل يوقنا رجالا تسوق الاموال وإنما اطمأن جرفاس وأصحابه إلى يوقنا لما رأى الأسرى من العرب والجمال والانعام فلما ركب يوقنا وأصحابه ورأى أنهم طالبون لساحل البحر نكب عن طريق طرابلس وكمن في الليل على طريق القوم قال: وإن جرفاس فرق خزائنه التي كانت عنده على أصحابه وقعد حتى جن الليل وأكلت الخيل عليقها ثم ركبوا واستقاموا على الطريق فلما توسطوا أطبق عليهم يوقنا واصحابه وداروا بهم ولم يمهلوهم بالقتل وأخذوهم أخذا بالكف وانتشرت الخيل في تلك الأرض لئلا يكون قد انفلت من الروم أحد فلما حصلوا في قبضتهم وتحت أسرهم أرادوا أن يطلقوا الحرث بن سليم وأصحابه فقال الحرث إني أرى من الرأي أن تتركونا على حالنا فإن ثواب الله قد حصل وصبحوا بنا بلاد العدو فإنكم ما تشرفون على بلد من بلاد الساحل إلا فتحه الله لكم قال يوقنا هذا راي صحيح ثم أمر اصحابه أن يستوثقوا من الأسرى وكمن ألفين من أصحابه وأصحاب فلنطانوس مع الأسرى وهم ثلاثة آلاف فارس وقال إذا جاءتكم رسلي فاقدموا ثم ألبس اصحابه زي الروم مثل اصحاب قيسارية الذين أخذوهم وساروا نحو طرابلس فلما خرج كل من في البلد إلى لقائهم كان كتاب فلسطين قد وصل إليهم