للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودين آبائكم قد طردكم المسيح عن بابه وأبعدكم عن جنانه فلما هموا أن يسيروا بهم وقع الصياح من الأبواب ونفر أهل القرى ومن كان بالقرب من صور فسألوهم عن أخبارهم فقالوا: قدمت العرب عليكم.

قال الواقدي: وكان عمرو بن العاص لما نزل على قيسارية وجه يزيد ابن أبي سفيان في ألفي فارس إلى صور فلما سمع الدمستق أمر بالأبواب فأغلقت وصعدت الرجالة على الاسوار وعمروا الابراج ونصبوا المجانيق وأدخل الدمستق يوقنا إلى قصر صور واستوثق منهم لئلا يتم عليه أمر منهم وبات القوم يحرسون وأضرموا نيرانهم على الاسوار فأقبلوا يرقصون ويشربون طول ليلتهم فلما كان الغد أشرف عليهم يزيد بن أبي سفيان نظر إليهم الدمستق فلما رآهم قليلا استحقرهم وطمع فيهم وقال: وحق المسيح لا بد لي من الخروج إليهم وهزم هذه الشرذمة اليسيرة ثم لبس الدمستق اللباس وأمرهم بالخروج وترك على حفظ يوقنا واصحابه ابن عمه باسيل قال: وكان باسيل هذا من قرأ الكتب السالفة والاخبار الماضية وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في دير بحيرا الراهب وكان باسيل قد مضى إلى زيارة بحيرا فلما قدمت عير قريش وجمال خديجة بنت خويلد وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر بحيرا إلى القافلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في وسطها والسحابة على رأسه تظله من حر الشمس فلما تبينه قال: والله هذه صفة النبي الذي يبعث من تهامة ثم انتظروا وإذا بالركب قد نزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم نزل وحده تحت شجرة يابسة واستلقى اليها فأورقت الشجرة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عاين بحيرا ذلك صنع طعاما لقريش واستدعاهم فدخلوا الدير وبقي هو مع الابل ليرعاها فلما نظر بحيرا إليهم ولم يره في جملتهم قال: يا معشر قريش هل بقي منكم أحد قالوا: نعم بقي فينا من تخلف لحفظ القافلة ورعي الابل قال: ما اسم من يرعى الابل قالوا: محمد بن عبد الله قال هل مات أبوه وأمه قالوا: نعم قال هل كفله جده وعمه قالوا: نعم قال: يا قريش هو والله سيدكم وبه يعظم في الدنيا مجدكم قالوا: من أين علمت ذلك قال لما أشرفتم علي من البرية لم يبق صخر ولا مدر إلا خر له ساجدا.

قال الواقدي: فبقي باسيل في حيرة من أمرهم وكتم سره وعلم أن بحيرا لا يتكلم إلا بالحق فلما وقع يوقنا وأصحابه ووكله الدمستق على حفظهم قال أن الإسلام هو الحق وقد بشر به بحيرا الراهب ولعل الله يغفر لي إذا حللت هؤلاء القوم.

قال الواقدي: من حسن تدبير الله لعباده المؤمنين أنه لما خرج الدمستق إلى لقاء يزيد ابن أبي سفيان لم يتأخر أحد من شباب المدينة لا صغير ولا كبير إلا وخرج معه وبقيت العوام ينتظرون على الاسوار ما يكون بينهم وبين العرب فلما نظر باسيل إلى المدينة وخلوها واشتغل أهلها بالحرب أخذ رايه على خلاص يوقنا ومن معه فأقبل إليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>