أريد أن اسير اليكم الزاد والعلوفة وعدة السلاح إلى خدمة الملك ولكن تقيمون عندي ثلاثة ايام فقالوا: أيها البطريق انا على عجل من أمرنا نخاف من لوم الملك ولسنا نقدر على ذلك ولم يزل بهم حتى اذعنوا له.
فقال أريد أن تنزلوا الشراعات والمقاذيف فتكونوا في المدينة ليطمئن قلبي بذلك ففعلوا وألصقوا المراكب بالسور ونزل كل من في المراكب وما بقي في المراكب إلا ثلاثة رجال فلما دبر هذا التدبير قبض على الجميع فلما كان الليل سلم طرابلس لبني عمه وللحرث بن سليم وفلنطانوس وعمر المراكب برجاله وهم بالصعود اليها وإذا عند غروب الشمس قد أقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في ألف فارس من أصحابه فلما رآهم يوقنا سجد لله شكرا وسلم على خالد بن الوليد وسلم له المدينة وحدثه بما جرى له وما قد عزم عليه فقال نصرك الله وايدك ثم أن يوقنا ركب من ليلته وسار وكان على سور دمشق جيش فلسطين وهو أرمويل بن نشطة ومعه اربعة آلاف فما أصبح يوقنا إلا وهو في مدينة صور فأمر بالبوقات فضربت والرايات فنشرت ووقف الدمستق يختبر خبرهم فعاد صاحب البحرالية فقال هؤلاء أهل قبرص وجزيزة اقريطش قد أقبلوا بالعلوفات والطعام والعدد يريدون قيسارية في خدمة الملك ففرح أهل صور بذلك وأمروهم بالنزول فنزل يوقنا واصحابه وكان جملة من نزل معه تسعمائة رجل وكان قد استخلصهم لنفسه فصنع لهم الدمستق طعاما ومد لهم سماطا عظيما وأحضر لقوادهم الخلع ويوقنا ينتظر الليل حتى يثور باصحابه وكان جملة من نزل معه تسعمائة رجل كما ذكرنا وترك الباقين في المراكب وقال أن لم يتم لنا ما نريد ولم نظفر بهم فلا تبرحوا من مراكبهم وأنقذ إلى خالد وأخبره بالقصة.
قال الواقدي: ما سمع بأعجب من هذه القصة ولقد حدثنى ابن مزاحم عن الارقط بن عامر عن عمار بن ياسر الربعي قال لما حصل يوقنا والتسعمائة بمدينة صور وأكلوا سماط الملك وخلع على كبرائهم أقبل عليهم في السر رجل من بني عم يوقنا ممن استحكمت الضلاله في قلبه واحتوى الكفر على أقانيم جسده فأقبل إلى الدمستق وحدثه بأمر يوقنا وما قد عزم عليه وإنه مسلم وإنه يقاتلكم مع العرب وقد فتح طرابلس وأخذ البطريق جرمانس صاحب الملك فلما سمع الدمستق ذلك لم يكذب خبرا دون أن ركب بأصحابه وقبض على يوقنا وأصحابه ووقع الصياح وكثر الضجيج وسمع بذلك اصحاب يوقنا فعلموا أن ذلك بسبب أصحابهم وإنه قبض عليهم فاغتموا لذلك غما شديدا وأخذوا على أنفسهم من عدو يقبل عليهم قال فلما استوثق عليهم الدمستق أرمويل بن نشطة وكل بهم ألف رجل وقال سيروا بهم إلى الملك يفعل فيهم ما يريد وأقبلوا يعنفون يوقنا واصحابه ويقولون لهم ما الذي رأيتم في دين العرب حتى تبعتموهم وتركتم دينكم