وطاعة فقال اريد أن أكتب معك كتابا وهم أن يكتب وإذا برسول أرسطوليس قد أقبل وقال: يا معاشر العرب أن ولي عهد الملك يريد منكم أن تبعثوا له رجلا منكم ليخاطبه بما في نفسه فلعل الله أن يصلح ذات بينكم فقال عمرو ليزيد بن أبي سفيان ولهاشم الطائي ولعبد الله بن جعفر الطيار وللنعمان بن المنذر ولسعيد بن وائل اعلموا أني قد ضربت على ملوك الروم ولست أرى من يتكلم مثلي وما يسير إلى هؤلاء إلا أنا فإني اريد أن ارد القوم وأنظر حالهم وما هم فيه من القوة وإن لا يخفى علي شيء من أمرهم فقالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوى الله عزمك وما عندنا إلا النصيحة للدين والنظر في مصالح المسلمين فافعل ما أردت تعان فقال لشرحبيل قد قلدتك أمور المسلمين فكن مكاني حتى أمضي إلى القوم وآتيكم بما فيه فقال له شرحبيل: الله يوفقك ويسددك.
قال فلبس عمرو ثوبا من كرابيس الشام وتحته جبة صوف وتقلد بسيفه وركب جواده وسار ومعه غلامه وردان وسار الثلاثة إلى قصر الشمع وإذا هم بالمواكب مصطفة والعساكر واقفة وهم بالدروع والجواشن والعدد وقد أظهروا ما أمكنهم من القوة فلما وصلوا إلى قصر الملك أخبروا ارسطوليس أن رسولك أتى بواحد من العرب فأمرهم باحضاره فدخل عمرو راكبا وهو متقلد بسيفه فاراد الحجاب أن ينزلوه عن جواده فابى وإن يأخذوا سيفه فأبى وقال: ما كنت بالذي أنزل عن حصاني ولا أسلم سيفي فإن أذن صاحبكم أن أدخل على حالتي والا رجعت من حيث أتيت فاننا قوم قد اعزنا الله بالإيمان ونصرنا بالإسلام فما لنا أن ننزل لأهل الشرك والطغيان وأنتم طلبتمونا ونحن لم نطلبكم فأعلموا الملك بما قاله فقال أرسطوليس دعوه يدخل كيف شاء فخرجوا إليه وقالوا له: ادخل كيف اردت فدخل عمرو وهو راكب حتى وصل إلى قبة الملك ورأى السريرية والحجاب وقوفا والبطارقة وهم في زينة عظيمة فلما رأى عمرو ذلك تبسم وقرأ: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:٣٦] قال: وكان قصر الملك قد بناه الريان بن الوليد بن أرسلاووس وهو الذي استخلف يوسف على مصر بعد العزيز ثم خرب وأقام خرابا خمسمائة سنة وما بقي إلا اثره فلما بعث عيسى وانتشرت دعوته ورفعه الله إليه وافترقت أمته فرقا وادعوا فيه ما ادعوا من الالهية وتقول الكذب ولي مصر رجاليس بن مقراطيس فبنى ذلك القصر الخراب وهو في وسط قصر الشمع وإنما سمي قصر الشمع لانه لا يخلو من شمع الملوك فلما بناه أحضر الحكماء الذين كانوا قد بنوا في برية الحميم وكان المقدم عليهم قربانس فقال لهم: إني قد قرأت كثيرا من الكتب التي أنزلت على الانبياء من الله وقرأت صحف موسى ورايت أن الله يبعث نبيا قوله حق ودينه صدق واخلاقه طاهرة وشريعته ظاهرة وقد بشر به المسيح فما تقولون فيه فقال قربانس الحكيم أن الذي قرأته هو الصحيح قال فثم من يخالف ذلك.