للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: نعم قال الحكيم أريد أن أصنع تمثالا من الحكمة ونجعله بيتا للعبادة ونجعل على هيكلها تماثيل يكون وجوهها مما يلي التمثال باعلى قصرك فإذا جاء وقت مبعث هذا النبي يحول كل تمثال وجهه عن صاحبه وأما الذي يجعل على الكنيسة فإنه عند مبعث النبي العربي يقع على وجهه ويكون موضع عبادة القوم واقامة شرعهم قال فأخذوا في عمل الحكمة واقاموا التماثيل على ما ذكرنا فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حول كل شخص وجهه عن صاحبه وسقط الذي كان على سطح الكنيسة وهو الجامع اليوم وأما التمثال العالي فبقي على حاله بأعلى القصر فلما دخل عمرو بجواده سمعوا من التمثال صوتا عظيما ثم إنه سقط على وجهه فارتاع له الملك وأرباب دولته وصكوا وجوههم ودخل الرعب في قلوبهم وقالوا بلسانهم: ما وقع هذا التماثل إلا عند دخول هذا العربي وما جرى هذا إلا لأمر عظيم ولا شك أنه هو الذي يقلع دولتنا ويأخذ ملكنا فأمروا عمرا أن ينزل عن جواده فنزل وترجل وجلس حيث انتهى به المجلس وأمسك عنان جواده بيده ويده اليسرى على مقبض سيفه ونظر إلى زينتهم وزخرفة قصرهم فقرأ.

: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٣٣, ٣٥] ثم قال اعلموا أن الدينا دار زوال وفناء والآخرة هي دار البقاء أما سمعتم ما كان من نبيكم عيسى وزهده وورعه كان لباسه الشعر ووساده الحجر وسراجه القمر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله اوحى إلى عيسى أن نح على نفسك في الفلوات وعاتبها في الفلوات وسارع إلى الصلوات واستعمل الحسنات وتجنب السيئات وابك على نفسك بكاء من ودع الأهل والاولاد وأصبح وحيدا في البلاد وكن يقظان إذا نامت العيون خوفا من الأمر الذي لا بد أن يكون" فإذا كان روح الله وكلمته خوف بهذا التخويف فكيف يكون المكلف الضعيف وأول من تكلم في المهد قال إني عبد الله فإذا كان أقر لله بالعبودية فلم تنسبون إليه الربوبية تعالى الله ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ولا أشرك في حكمه أحدا جل عن الصاحبة والاولاد والشركاء والاضداد لا صاحبه له ولا ولد ولا شريك له ولا وزير ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انتهاء ولا يحويه مكان ليس بجسم فيمس ولا بجوهر فيحس لا يوصف بالسكون والحركات ولا بالحلول والكيفيات ولا تحتوي عليه الكميات ولا المنافع ولا المضرات ثم إنه قرأ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم: ٩٣, ٩٥] فقال له الوزير: أصح عندكم معاشر العرب أن المسيح تكلم في المهد قال: نعم قالوا له: فهذه فضيلة قد انفرد بها عن جميع الأنبياء فقال عمرو قد تكلم في المهد أطفال منهم صاحب يوسف وصاحب جريج وصاحب الأخدود وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>