فقالوا: يا عربي أتكلم نبيكم بغير العربية قال: لا قال الله في كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[ابراهيم: ٤] قالوا: أبعث الله منكم أنبياء غير نبيكم قال: نعم قالوا: من قال صالح وشعيب ولوط وهود قال فلما سمعوا كلام عمرو وفصاحته وجوابه الحاضر قالوا بالقبطية للملك: أن هذا العربي فصيح اللسان جريء الجنان ولا شك أنه المقدم على قومه وصاحب الجيش فلو قبضت عليه لانهزم أصحابه عنا قال: وغلام عمرو وردان يسمع ذلك فقال الملك انه لا يجوز لنا أن نغدر برسول لا سيما ونحن استدعيناه الينا فقال وردان بلسان آخر: ما قالوه ففهم عمرو كلامه.
ثم أن الملك قال: يا أخا العرب ما الذي تريدون منا وما قصدنا أحد إلا ورجع بالخيبة وانا قد كاتبنا النوبة والبجاوة وكأنكم بهم قد وصلوا الينا فقال عمرو اننا لا نخاف من كثرة الجيوش والأمم وإن الله قد وعدنا النصر وإن يورثنا الأرض ونحن ندعوكم إلى خصلة من ثلاث اما الإسلام واما الجزية واما القتال فقالوا: انا لا نبرم أمرا إلا بمشورة الملك المقوقس وقد دخل خلوته ولكن يا أخا العرب ما نظن أن في اصحابك من هو أقوى منك جنانا ولا افصح منك لسانا فقال عمرو أنا ألكن لسانا ممن في صحابي ومنهم من لو تكلم لعلمت أني أقاس به فقال الملك هذا من المحال أن يكون فيهم مثلك فقال أن أحب الملك أن آتيه بعشرة منهم من يسمع خطابهم فقال الملك ارسل فاطلبهم فقال عمرو لا يأتون برسالة وإنما أن أراد الملك مضيت وأتيت بهم فقال الملك لوزرائه إذا حضروا قبضنا عليهم والأحد عشر أحسن من الواحد ووردان يفهم ذلك ثم أن الملك قال لعمرو امض ولا تبطىء علي فوثب عمرو قائما وركب جواده فقال الملك بالقبطية لاقتلنهم أجمعين فلما خرج من مصر قال له وردان: ما قاله الملك فلما وصل إلى الجيش أقبلت الصحابة وسلموا عليه وهم يقولون والله يا عمرو لقد ساءت بك الظنون فأقبل يحدثهم بما وقع له معهم وبما قالوه وبما قاله وردان فحمدوا الله على سلامته وكان أقبل الليل فلما أصبح صلى عمرو بالناس صلاة الفجر وأمرهم بالتأهب للقتال وإذا برسول الملك قد أقبل وقال له: أن الملك ينتظرك أنت والعشرة فقال عمرو أن الغدر يهلك أصحابه وأهله وإن على الباغي تدور الدوائر يا ويلكم ينفذ صاحبكم يطلب منا رسولا فلما أتيته أراد أن يقض علي وقال كذا وكذا فأنت يا ويلك ما الذي يمنعني عنك إذا أردت قتلك ولسنا نحن ممن يخون ويغدر ارجع إليه وقل له إني فهمت ما قاله وما بقي بيننا وبينه إلا الحرب قال ابن اسحق: رحمه الله ورضي عنه هكذا وقع له مع القبط وكان عمرو إذا ذكر ذلك يقول لا والذي نجاني من القبط قال: وعاد الرسول وأخبر الملك بما قاله عمرو فعند ذلك قال أريد أن أدبر حيلة أدهمهم بها فقال الوزير اعلم أيها الملك أن القوم.