متيقظون لأنفسهم لا يكاد أحد أن يصل إليهم بحيلة ولكن بلغني أن القوم لهم يوم في الجمعة يعظمونه كتعظيمنا يوم الاحد وهو عندهم يوم عظيم وأرى لهم من الرأي أن تكمن لهم كمينا مما يلي الجبل المقطم فإذا دخلوا في صلاتهم يأتي إليهم الكمين ويضع فيهم السيف قال فأجابه الملك إلى ذلك وأقاموا ينتظرون ليلة الجمعة قال: وأما عمرو فإنه ارسل يوقنا إلى القرى التي صالحوها ليأتيه منها بما يأكلونه ويعلفون به خيلهم قال فركب يوقنا إلى القرى التي صالحوها وسار في عسكره وبني عمه إلى ما يأتي به ومضى نحو الجرف وكان معهم جواسيس الملك في عسكرهم فاتوا إلى الملك وأخبروه بما جرى من المسلمين فعندها دعا بابن عمه ماسيوس وهو المقدم على جيوش مصر وقال له: اختر من جيوشنا أربعة آلاف وأمض بهم وأكمن وراء عسكر المسلمين من جهة الجبل وإياك أن يظهر عليكم أحد وليكن لكم ديدبان فإذا دخل القوم في صلاتهم فاحملوا عليهم وضعوا فيهم السيف قال ففعل ماسيوس ما أمره به الملك ومضى في الليل من نحو مغارة السودان ولم يعلم بهم أحد فلما كان وقت صلاة الجمعة أتاهم الديدبان وأعلمهم أنهم دخلوا في الصلاة وكانوا قد أخذوا بغالا ودواب وحملوها برا وشعيرا وكان قد قال لهم: إذا أردتم أن تحملوا عليهم فقدموا الحمول أمامكم فإنهم يأمنون ويحسبون أنها هي التي مضى صاحبهم يأتي بها قال ففعلوا ذلك.
حدثنا ابن اسحق حدثنا عمارة بن وهب عن سعيد بن عامر سليمان بن ناقد عن عروة عن جابر عن محمد بن اسحق قال هكذا دبر عليهم القبط وكان بين القوم وبينهم نصف ميل وليس عند المسلمين خبر ما صنع المشركون وكان سعيد بن نوفل العدوي يقول لعمرو أيها الأمير ما الذي يمسكنا عن قتال هؤلاء القبط فيقول والله ما تأخري جزع وإنما قد علمتم قصد هذا الملك المقوقس وما عليه من الدين والعقل وهو مقر بنبوة نبينا وقد دخل إلى خلوته التي سنها لنفسه في هذا الشهر المعظم وقد بقي منه خمسة أيام ويظهر ونبعث إليه رسولا ونرى ما يكون جوابه فإما الصلح واما القتال قال فبينما هم يتحادثون في ذلك إذ أتاهم رسول من عند أرسطوليس بن المقوقس وقال لهم: معاشر العرب أن ولي عهد الملك يسلم عليكم ويقول لكم أني لا أقدر أن أحدث أمرا حتى يخرج الملك من خلوته وقد بقي له خمسة ايام وهو يدبر في رعيته بما يشاء فقال له عمرو: قد علمنا ذلك ولولا الملك وما نعلم منه أنه يحب نبينا وإنه مؤمن به ما أمهلناكم طرفة عين فمضى الرسول قال ابن اسحق: وما بعث هذا اللعين هذا الرسول إلا ليطمئن المسلمون وليقضي الله أمرا كان مفعولا وإذا جاء القدر لا ينفع الحذر وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه.