للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عبيدة: إذا رحلنا يخرج أهل المدينة فيملكون مواضعنا فلما سمع خالد ذلك من أبي عبيدة قال: يا أمين الأمة إني أعرف رجلا لا يخاف الموت خبيرا بلقاء الرجال قد مات أبوه وجده في القتال قال: ومن هذا الرجل يا أبا سليمان قال: هو ضرار بن الأزور بن طارق قال أبو عبيدة: والله لقد صدقت ووصفت رجلا باذلا معروفا فافعل قال: فرجع خالد إلى بابه واستدعى بضرار بن الأزور فجاء إليه وسلم عليه فقال: يا ابن الأزور إني أريد أن أقدمك على خمسة آلاف قد باعوا أنفسهم لله عز وجل واختاروا دار البقاء والاخرة على الأولى وتسيروا إلى لقاء هؤلاء القوم الذين وردوا علينا فإن رأيت لك فيهم طمعا فقاتلهم وأن رأيت إنك لا تقدر عليهم فابعث إلينا رسولك فقال ضرار بن الأزور وافرحتاه والله يا ابن الوليد ما دخل قلبي مسرة أعظم من هذه فاتركني أسير وحدي قال خالد: لعمري إنك ضرار ولكن لا تلق نفسك إلى الهلاك وسر بما ندب معك من المسلمين قال فقام ضرار رضي الله عنه مسرعا فقال خالد: ارفق بنفسك حتى يجتمع عليك الجيش فقال: والله لا وقفت ومن علم الله فيه خيرا أدركني ثم ركب ضرار وأسرع إلى أن وصل إلى بيت لهيا وهو الموضع الذي كان يصنع فيه الأصنام فوقف هناك حتى لحق به أصحابه فلما تكاملوا نظر ضرار وإذا بجيش الروم ينحدر كأنه الجراد المنتشر وهم غائصون في الدروع وقد أشرقت الشمس على لأماتهم وطوارقهم.

فلما نظر إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لضرار أما والله أن هذا الجيش عرمرم والصواب أننا نرجع فقال ضرار والله لا زلت أضرب بسيفي في سبيل الله واتبع من أناب إلى الله ولا يراني الله مهزوما ولا أولى الدبر لأن الله تعالى يقول: {فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ*وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: ١٦] وتكلم رافع بن عميرة الطائي وقال: يا قوم وما الخيفة من هؤلاء العلوج أما نصركم الله في مواطن كثيرة والنصر مقرون مع الصبر ولم تزل طائفتنا تلقى الجموع الكثيرة والجموع اليسيرة فاتبعوا سبيل المؤمنين وتضرعوا إلى رب العالمين وقولوا كما قال قوم طالوت عند لقائهم جالوت {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فلما سمع ضرار كلامهم وإنهم اشتروا الاخرة على الأولى كمن بهم عند بيت لهيا وأخفى أمره وجلس عاري الجسد بسراويله على فرس له عربي بغير سلاح وبيده قناة كاملة الطول وهو يوصي القوم.

قال الواقدي: هكذا حدثني تميم بن أوس عن جده عمرو بن دارم قال كنت يوم بيت لهيا ممن صحب ضرار بن الأزور رضي الله عنه وهو بهذه الصفة رغبة منه في الشهادة فلما قارب العدو كان أول من برز وكبر ضرار بن الأزور قبل فأجابه المسلمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>