بتكبيرة واحدة رعبت منها قلوب المشركين وفاجئوهم بالحملة ونظروا إلى ضرار بن الأزور وهو في أول القوم وهو في حالته التي وصفناها فهالهم أمره وكان وردان في المقدمة والأعلام والصلبان مشتبكة على رأسه قال فما طلب ضرار غيره لانه علم إنه صاحبهم فحمل عليه غير مكترث به وطعن فارسا كان في يده العلم فتجندل من على فرسه قتيلا ثم إنه طعن اخر في الميمنة فارداه وحمل يريد القلب وكان قد عاين وردان والصليب على رأسه يحمله فارس من الروم والجواهر تلمع من أربع جوانبه فعارضه ضرار وطعن حامله طعنة عظيمة فخرج السنان يلمع من خاصرته قال: فسقط الصليب منكسا إلى الأرض فلما نظر وردان إلى الصليب أيقن بالهلاك وهم أن يترجل لاخذه أو يميل في ركابه ليأخذه فلما وجد لذلك سبيلا لما قد أحدق به وترجل عليه قوم من المسلمين ليأخذوه وقد اشتغل كل عن نفسه ونظر ضرار إلى من ترجل لاخذ الصليب فقال معاشر المسلمين أن الصليب لي دونكم وأنا صاحبه فلا تطمعوا فاني إليه راجع إذا فرغت من كلب الروم قال فسمع ذلك وردان وكان يعرف العربية فعطف من القلب يريد الهرب فقالت البطارقة: إلى أين أيها السيد أتفر من الشيطان فما رأينا ادنى من منظره ولا أهول من مخبره ونظر إليه ضرار وقد عطف راجعا فعلم إنه قد عزم على الهرب فصاح بقومه ثم اقتحم في أثره ومد رمحه وهمز جواده فتصارخت به الروم وعطفت عليه المواكب من كل جانب فأنشد يقول:
الموت حق أين لي منه المفر
...
وجنة الفردوس خير المستقر
هذا قتالي فاشهدوا يا من حضر
...
وكل هذا في رضا رب البشر
ثم اخترق القوم وحمل عليهم وحمل المسلمون في أثره فاحدقوا بهم من كل مكان ونظروا إلى ضرار وقد قصده وردان صاحب حمص عندما علم إنه اخترق القوم فمد إليه رمحه وقدأحدقت به بطارقته وضرار يمانع عن نفسه يمينا وشمالا فما طعنأحدا إلا اباده إلى أن قتل من القوم خلقا كثيرا وهو يصرخ بقومه ويقول:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:٤] قال اكتب عليه جيوش الروم من كل جانب ومكان واشتعل الحرب بينهم ووصل همدان بن وردان إلى ضرار بن الأزور ورماه بسهم فأصاب عضده الإيمن فوصل السهم إليه فأوهنه واحسن ضرار بالألم فحمل على همدان وصمم عليه برمحه وطعنه فأصاب بالطعنة فواده فوصل السنان إلى ظهره فجذب الرمح منه فلم يخرج وإذا به قد اشتبك في عظم ظهره فخرج الرمح من غير سنان فطمعوا فيه وحملوا عليه وأخذوه أسيرا فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضرار وهو اسير فعظم الأمر عليهم وقاتلوا قتالا شديدا ليخلصوه فما وجدوا إلى ذلك سبيلا وأرادوا الهرب فقال رافع بن عميرة الطائي يا.