نرضى بالكذب فإنه أشنع شيء عندنا ولا سيما أن الإسلام يمنعنا من استعماله ولو أن السيف على رأس أحدنا إذا سئل عن دينه أجاب به وتكلم بوحدانية الله تعالى ونحن من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولكم الأمان وهذا أمان الله ورسوله.
قال فلما سمع الرهبان من مالك ذلك نزلوا وفتحوا الباب وسلموا لنا القس فقال له خالد: يا عدو الله أردت أمرا وأراد الله خلافه ثم إنه عرض عليه الإسلام فأبى وقال أنا هربت منكم من الشام ثم أوقعني المسيح في أيديكم وما أظن إلا أن المسيح مسلم فافعل ما أردت فضربوا عنقه قال عامر بن هبار وخرج الينا أهل الدير بأجمعهم ومعهم الطعام والعلوفة فأكلنا وأقمنا عندهم إلى الليل فقال شيخهم الذي اشار عليهم بقبض القس الرومي لخالد أيها السيد إني قد تفرست فيك الشجاعة فبالله من أنت من أصحاب محمد فقال: أنا خالد بن الوليد المخزومي فقال: أنت وحق ديني الذي فتحت بلاد الشام وأذللت ملوكها وبطارقها وإن صفتك عندي ثم إنه دخل الدير وأتى ومعه سفط ففتحه وإذا فيه بين أوراقه ورقة وفيها صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزيه وصورته وصورة أبي عبيدة وصورة خالد بن الوليد والسيف في يده مشهور قال: ما زلت أسمع أخبارك كلها فلم عزلك عمر بن الخطاب وولى غيرك فقال خالد: أعلم أن عمر هو الامام وهو الخليفة ومهما أمرنا فلا نخالفه فإن الله أمرنا بذلك في كتابه فقال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩] فطاعته فرض علينا لانه يحكم بالعدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وانا قد وجهنا إليه خمس الغنائم من الفتوح كلها من الأموال فما ازداد في الدنيا إلا زهدا ولا آثر الدنيا على الآخرة بل مجلسه على التراب ولباسه المرقعة ويمشي في سوق المدينة متواضعا راجلا فالتواضع لباسه والتقوى أساسه والذكر شعاره والعدل في الرعية دثاره وما زال يعطف على اليتيم ويرفق بالأرملة والمسكين ويرفد أبناء السبيل فظ في دين الله غليظ على أعداء الله قائم بشعائر الله لا يستحي من الحق ولا يداهن الخلق فقال القس أكانت له الهيبة على عهد نبيكم قال خالد: نعم سمعت سعد بن أبي وقاص يقول استأذن يوما عمر فأذن له فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله قال: "عجبت من هؤلاء اللواتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب" فقال عمر أنت أحق أن يهبنك وقال لهن يا عدوات أنفسكن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت فظ غليظ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غيره" قال فلما سمع القس ذلك قال بركة نبيكم عادت على امامكم وعليكم فقال خالد: وما يمنعك من الدخول في دينننا فقال حتى يشاء صاحب هذه الخضراء ثم قال لخالد أريد أن أعطيكم من صلبان هذا الدير حتى تكمل حيلتكم قال: وأخرج لهم.