حدثنا زياد بن أوس الطائي عن معمر بن الرشيد قال لما نزل خالد بعد رحيله عن مريوط قال له عيونه: انه لما انهزم ابن المقوقس وأتى إلى اسكندرية وبلغه فتح مصر صعب عليه قال: وكانت اسكندرية عامرة كان فيها الخلق كثيرا والمراكب فأرسل مراكب وعمرها بالرجال وأمرهم أن يكبسوا سواحل بلاد الشام على المسلمين فقالوا: سمعا وطاعة ومضوا إلى ساحل الرملة فوجدوا بالليل نيرانا كثيرة فسألوا من كان خبيرا بالبلاد فقالوا: هذه نيران المسلمين النازلين ههنا فقالوا: هذه حاجتنا التي جئنا في طلبها فنزلوا وقصدوها وإذا بها حلل من حلل دوس بني عم أبي هريرة وكان معهم طائفة من بجيلة وفي جملتهم ضرار بن الازور وهو مريض وأخته خولة معه تمرضه وكان أبو عبيدة أمرهم بالنزول هناك لأجل كثرة المرعى وهم آمنون مطمئنون من الروم وغيرهم لأن دولة الروم قد انصرمت وأيامهم قد ولت فما فطن القوم إلا وقد كبسهم القبط في جندس الليل ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم رجالا وأخذوا منهم أسارى ومن جملتهم ضرار وأخته وأخذوا ما قدروا على حمله وأتوا بهم المراكب وكان جملة من أسروه من الرجال والنساء والاولاد والعبيد ألف ومائة فوضعوهم في المراكب وأقلعوا بهم من ليلتهم وسارا طالبين اسكندرية.
قال ابن اسحق: وكان أبو عبيدة قد استوطن طبرية لكونها في وسط البلاد وهي قريبة من الاردن والشام والسواحل وإن أبا هريرة قد أتى ليزور قومه في تلك الايام ويسأل عن حال ضرار وكانوا يحبونه لشجاعته فأتى أبو هريرة ومعه حليف له من بني بجيلة فأصبحنا تلك الليلة في الحي وإذا بهم قد أخذهم القبط وبيوتهم مطروحة والرجال مقتولة وآثارهم منبوذة ووجدوا من الذين انهزموا أناسا مجروحين فسالوهم فقالوا: ما عندنا خبر حتى كبسنا قوم نصارى وما نعلم من أي الطوائف هم ولم نفق حتى وقعوا فينا بالسيوف فقتلوا ما ترون وأسروا الباقين وأخذوهم في مراكبهم فقال أبو هريرة لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وساروا إلى ساحل البحر فلم يروا لهم أثرا فلما عولوا على الرجوع إذا بلوح من ألواح المراكب تلعب به الامواج وعليه شخص فوقفوا له حتى أقبل وخرج الرجل وإذا به أمير دوس وحيان ابن عم أبي هريرة فلما رآه ترجل له وعانقه وهنأه بالسلامة وقال له: يا ابن عم ما وراءك فقال هجم العدو علينا ليلا وأسرونا وساروا فلما توسطنا البحر بعث الله بريح فغرقت مركبنا وقد نجاني الله على هذا اللوح فقال له: ومن أعداؤكم قال من قبط مصر وإني سمعتهم يذكرون اسكندرية كثيرا قال فرجع أبو هريرة يطلب طبرية وأتى ابن عمه إلى مكان الحلة حتى يلم شعث الناس ويداوي المجروحين فجمع ما تركوه وأتى بهم إلى الرملة وأما أبو هريرة فأتى أبا عبيدة وأخبره بما جرى فاسترجع وبكى وقال أعوذ بالله من الساعات الرديئة ثم قال: والله لئن وصلوا إلى اسكندرية ما يبقيهم صاحبها طرفه عين ويموت ضرار ويمضي دمه.