ولم يرهبوا قتالكم ولا مانع يمنعهم ولو أن أصحابهم الذين أرسلتهم إلى دير الزجاج عندي لكنت صالحتهم باطلاقهم ودفعناهم عنا وقد فرطنا أيضا في الألفين الذين أرسلتهم معهم فلو كان فينا لقاتلوا معنا فقال له وزيره: أيها الملك هل لك أن ترسل إليهم وتتحدث معهم في أمر الصلح ونحن نسلم إليهم أصحابهم فقال: إنهم لن يقبلوا منكم رسولا منذ صبأنا عليهم ببحر الحصى فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب البحر قد أتى إليه وهو الموكل بالنار وأخبره أنه رأى مركبا قد ظهر من قبل الغرب ولا أعلم من أين أتى فقال: لا شك أنه من صاحب برقة الملك كيماويل وقد أنجدنا فأقبل المركب ورمى مراسيه ونزل منه شيخ مهيب مليح الشيبة ظاهر الهيبة وعليه ثياب من الصوف الاسود ونزل معه عشرون شخصا من القسوس والرهبان فلما نزلوا إلى البر جاءتهم الخيول بالمراكب المذهبة والغلمان والحجاب وعظموا شأنهم وأركبوهم وساروا بين أيديهم إلى أن أوصلوهم إلى الملك وأدخلوهم عليه فقام لهم وعظم شأنهم وأجلس ذلك الشيخ معه على السرير.
قال الراوي: وكان أرسطوليس قد أرسل هدية إلى الملك صاحب برقة وأرسل إليه يعلمه بما فعله العرب في مدة قيصر وانهم قد أتونا ومن جملة ما أرسل له يقول أيها الملك اعلم أن الدنيا دار زوال وانتقال فما وهبت إلا واستردت ولا فرحت إلا وأحزنت فالمغرور من تشبث بذيلها واطمأن اليها والسعيد من لبس ثياب الحذر منها وعمل لدار المقر أما ترى أيها الملك إلى هرقل ملك الشام كيف هرب وزال ملكه وذلك عند ما رمته الدنيا بمصائبها وشتتته بسهام نكائبها بعدما كانت في وجهه مشرقة والا يخطر له هم الاعداء على بال وما ضربت لك هذا المثال إلا لعلمي أن الدنيا لا تبقى على حال وهؤلاء العرب قد استولوا على البلاد وأذلوا بسيوفهم العباد وقد أقاموا لهم شرعا بالسيوف الحداد وقد ملكوا القياصرة وقد جاءت طائفة الينا وأخذوا مصر منا وأخذوا ملكنا وحكموا على بلادنا بعدنا ولا بد لهم منك ولا غنى لهم عنك والصواب أن تشمر لهم عن الهمم وتنجدنا على من بغى وأجرم فنحن جيرانك وكلنا جندك وأعوانك والسلام.
قال الواقدي: فلما وصلت الهدية والكتاب عرضه على أرباب دولته وقال لهم: ما ترون فيما كاتبكم به صاحب مصر والاسكندرية فقالوا له: أيها الملك ما زالت الملوك يستنصر بعضها ببعض والذي أشار إليه هو الحق وإن العرب إذا ملكت ملك القبط فلا بد لهم منا والعبور إلى بلادنا فابعث إليه بنجدة ونكون نحن وهو يدا واحدة فالمسيح يعطي النصر لمن يشاء فاجابه إلى ذلك وأمر ابن أخيه اسطفانوس أن يمضي في أربعة آلاف وأمره أن يسير لمعاونة صاحب اسكندرية ثم إنه أرسل خادمه إلى عالم أرضهم.