نبيكم عن قتل الرهبان فقال خالد: سلموا لنا مال هذا البطريق وعياله وأطفاله ونحن نترككم في ديركم ففتحوا لهم وسلموا لهم جميع موجوداته وأخذوا الاسير وساروا وسأله خالد بن الوليد من أين أنت فقال أنا أمية بن حاتم أخو عدى وقد أخذني هذا في أواخر ايام أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإني كنت طالب برقة مع قافلة ومعي بضاعة فأخذها وأخذني وكان أمر الله قدرا مقدورا قال فرجعوا عند أصحابهم ولم يأتوا القبط فما لحقوا أن ينزلوا عن خيولهم إلا والراهب صاح وقال لهم: استعدوا للقاء عدوكم فإنهم قربوا منكم فتجهزوا للقاء العدو وإذا بهم قد أقبلوا وضجيج الاطفال وبكاء الناس وأنين الرجال وصراخ المأسورات وصياح القبط عليهم يسوقونهم من ورائهم وزئير الفرسان وهفيف الصلبان والعربيات تنادي بالويل والهوان وخولة بنت الأزور على مقدمة الأسارى وهي تقول.
جل المصاب وزاد الويل والحرب. ... وكل دمع من الاجفان ينسكب.
ومادت الأرض مما قد بليت به. ... حتى توهمت أن الأرض تنقلب.
جالت يد القبط فينا عند غفلتنا. ... واستحكم القبط لما زالت العرب.
لهفي على بطل قد كان عدتنا. ... فيه العفاف وفيه الدين والادب.
قد كان ناصرنا في وقت شدتنا. ... أعني ضرار الذي للحرب ينتدب.
فيه الحمية والاحسان عادته. ... فيه التعصب والانصاف والحسب.
لو كان يقدر أن يرقى مراكبه. ... كان العدو فني والحرب تلتهب.
أو كان خالد فينا حاضرا وطنا. ... لزال عنا الذي نشكو وننتحب.
لو كان يسمع صوتي صاح بي عجلا. ... مهلا فقد زال عنك البؤس والعطب.
قال فلما سمع خالد نداءها قال لبيك يا بنت الأزور قد جاءك الفرج وذهب عنك الحرج فاطبقوا على القبط فما كان ببعيد حتى قتلوا منهم سبعمائة وأسروا الفا وثلمائة وخلصوا الأسرى وسلموا على ضرار وهنئوه بالسلامة وودعوا الراهب بعدما كتب له خالد كتابا بأن له من طعام الاسكندرية صاعا ولكل من سكن الدير من أهله وقبيلته ثم إنهم ساروا طالبين الاسكندرية وهم سائقون الأسرى من القبط بين أيديهم قال: وكان الملك أرسطوليس لما سمع بأن العرب قد أتوه أخرج عسكره وضرب خيامه خارج باب السدرة قال فلما قدم المسلمون وقع الصايح بقدومهم ووقع الخوف في قلب الملك وعسكره وقالوا له: أيها الملك ما الذي تدبر في أمر هؤلاء العرب قال: وما عسى أن أدبر والخوف قد ملأ قلوبكم وهم طمعوا فيكم ورأوا أنكم تنهزمون ولا تخافون العار وإذا قاتلتموهم كانت قلوبكم متفرقة وأهواؤكم غير متفقة وقد أسروا رجالا.