القبط يسأله أن يرسل له أسرى من عرب المسلمين حتى يراهم ويسمع كلامهم فأجاب أنه يرسل منهم جماعة وإنا ماضون نعلم صاحب برقة بذلك فقال لخالد لعلكم من المسلمين الذين فتحوا بلاد الشام قال خالد: نحن هم فقال الراهب أن أخباركم عندي في كل وقت وأعلمك أن رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو في قافلة قريش وأنا عند بحيرا فلما مات بحيرا انتقلنا إلى هذا الدير واعلموا أنه ما بقي من أرض الكنائس ولا بأرض العقبة ولا بأرض الرمادة أحد ولا ديار من راهب ولا قس إلا وقدم لزيارتي ويسألني عنكم وعن نبيكم ويقولون لي أنت كنت على طريقهم ورأيت نبيهم وشرحت لهم دينكم وأوصلتهم إلى ما ظهر من معجزات نبيكم صلى الله عليه وسلم ولقد جرى بيني وبين راهب منهم بالقرب مناظرة وقال لي: أن النبي الذي بشر به عيسى المسيح ابن مريم ليس هذا فقلت له بلى هو والله النبي العربي فقال لي: اننا سمعنا في العلم أن الرسول الذي يظهر من أرض الحجاز يعرج به إلى السماء وماسمعنا أن هذا عرج به فقلت بلى والله أنا سمعت بأنه عرج به إلى السماء وخاطب العلي الاعلى وأصبح فأعلم بذلك قريشا ثم قال لخالد اعلم أن في وسط هذا الجبل ديرا يقال له دير المسيح: وقد استوى عليه بطريق ومعه جماعة وهو يقطع الطريق على قوافل العرب وإنه منذ زمان قطع الطريق على قافلة وفيها شخص من بلادكم وهو مسلم فأخذ القافلة وعرى أهلها وأطلقهم وقبض على ذلك المسلم وأخذ ماله ووضعه عنده في العذاب الشديد والرجل يستجير فلا يجار ويقول له ما أطلقك حتى تكفر بالرحمن وتسجد للصلبان ثم إنه يأتيه بصورة من نحاس وعلى رأسه عمامة سوداء ويقول له هذه صفة نبيكم وينصبه قباله ويصب فضلة كأسه على رأس هذه الصورة وذلك الرجل يستجير من فعاله قال فلما سمع خالد ذلك أخذ معه شرحبيل بن حسنة وعامر بن ربيعة ويزيد بن أبي سفيان وهاشم بن سعيد والقعقاع ورفاعة وترك بقية العسكر محيطة بالدير ومضوا إلى وسط الجبل فوجدوا الدير فوصلوا إليه وإذا بالبطريق قد اقبل ومعه وحش مذبوح وقد قصد إلى شجرة بالقرب من الدير وتحتها عين فنزل على العين وصاح بغلمانه فأتوا إليه وأضرموا النار وجعلوا يشوون له وهو يأكل ويشرب الخمر وقال لهم: هاتوا المحمدي فاتوه برجل قد ركبه الذل وغلبه القهر فلما رآه قال له: أنت قد غلبتني بتجلدك على العذاب وحق ديني لا أرفع عنك العقوبة حتى ترجع عن دينك إلى ديني فقال له: اصنع ما بدا لك فإني أعلم أن الكل بمشيئتة الله وبارادته وإني صابر على مر البلاء وما أرجع عن دين محمد المصطفى قال فهم أن يقوم إليه يضربه فصاح به خالد بن الوليد وحمل عيه وطعنه فاخرج السنان من ظهره وقتلوا غلمانه وخلصوا المسلم ونزلوا على العين ولم يكن لأهل الدير شرب إلا من تلك العين فأشرف عليهم الرهبان من أهل الدير وقالوا: ما نحن أهل سيف حتى نقاتلكم وقد نهاكم.