العسكرين ثم أن البترك عاد إلى صاحب اسكندرية وقال له: هؤلاء لا نملك غرتهم لانهم حذرون من أعدائهم وعرفة بقصة اصحابه وانهم هؤلاء الذين ضربوا رقابهم قبالك فقال له: يا أبانا ومن اين هؤلاء قال قد وقعوا بهم وخلصوا اصحابهم واسروا من أصحابك ألفا وثلثمائة وقتلوا سبعمائة قال فلما سمع ابن المقوقس ذلك سقط في يده وايقن باتلاف ملكه وقال لأرباب دولته وعسكره: خذوا أهبتكم للقتال وكأنكم بعسكر الملك كيماويل صاحب برقة وقد اقبل عليكم ونقاتل هؤلاء العرب بقلوب قوية وأسرار نقية ويعطي الله النصر لمن يشاء وباتوا وهم معولون على القتال.
قال ابن اسحق: ولقد بلغني أن الملك نام بقية ليلته فرأى في منامه كان شخصا أشقر عريض الصدر قد خرج من حمام ومعه شخص آخر مليح الوجه حسن الخلق وسيم قسيم في عينيه دعج وله نور يسطع كأنه قمر فقال ابن المقوقس للاشقر من أنت قال ابن العذراء البتول أنا المسيح بن مريم وهذا الذي بشرت به من قبل مبعثه هذا محمد رسول الله العربي الامي من آمن به فقد اهتدى ومن جحد نبوته فقد اعتدى وقد جئنا لنصرة أصحابه ومقامنا على القبة.
قال ابن اسحق: ولقد بلغني أن برج القبة مما يلي باب البحر وذلك أن الاسكندرية لما بني الاسكندرية وسماها باسمه كان الخضر وزيره وهو الذي بنى الباب الأخضر وصنع تلك القبة باسمه ورسمه وكان يأوي اليها فصار ذلك الباب مشتهرا به إلى ي ومنا هذا قال ثم أن عيسى عليه السلام قال للملك في نومه أن كنت من أمتي فاتبع شريعة هذا النبي وذهب عنه فلما أصبح حدث أرباب دولته بما رأى في نومه فقالوا: أيها الملك هذه أضغاث أحلام وما كان عيسى المسيح يماشي العربي وهو عدوه وإنما الشيطان قد خيل لك ذلك فلا تلتفت إليه قال فأصغى الملك إلى كلامهم ثم إنه أمر عسكره بالقتال فركبوا وصافوا المسلمين وأما الملك فإنه نظر إلى برج القبة وإذا بالقبة يسطع منها نور فدخل الوهم في قلبه مما رأى في منامه وقال: والله ما هذا النور إلا نور المسيح ومحمد وإن هذا هو الحق لا شك فيه.
حدثنا ابن اسحق حدثنا عامر بن بشر عن الأحوص قال كنت في خيل خالد بن الوليد يوم قتالنا على اسكندرية قال لما وقفنا في ميدان الحرب وقف يقاتلنا فارس وهو بطريق عظيم الخلقة وعليه لبس يلمع وتحته جواد عربي فنادانا بالعربية بلسان فصيح وقال: يا عرب انصرفوا عنا فانا لا نريد حربكم وقد ملكتم منا مصر والصعيد وأكثر الريف وقد بقي في أيدينا هذه الجهة وما نحن منازعونكم فيما أخذتموه منا ونحن لا نقلدكم في البغي ونصالحكم صلحا نعود منه عن ظلم أنفسنا ونعدل في رعيتنا وإن أبيتم صلحنا لقيناكم بأسرار نقية وقلوب للجهاد قوية فنردكم على أعقابكم منهزمين وفي أذيال.