بركة الله وعونه حتى تملكوا المدينة منه فقال له ضرار: يا ويلك وإن الذي بعثك بهذه الحيلة أراد قتلك أما علمت أن الحذر شعارنا واليقظة دثارنا وهم بقتله فقال له المقداد: أمهل يا ضرار وفقك الله إلى الخير وةوقاك الألم والضير ثم قال المقداد إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يشير إلى شخص بين يديه وكأنما يقول على زي هذا الغلام وكأنما أتأمل إلى هذا الغلام فرأيته على ما هو عليه الآن وكان على وسطه منطقة من الأديم وفيها حلق فضة وهي تحت أثوابه ثم أن المقداد قال: يا غلام اكشف عن أثوابك فكشف عن أثوابه وإذا المنطقة بعينها فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المسلمون فصافحوه ومضى الغلام أمامهم إلى أن دخل بهم النقب ووسعوه بأيديهم حتى دخلت خيولهم ثم ردوا الحجارة والطين والبناء على حاله وأعمى الله أبصار القوم عنهم فلما كان الغد نظر أعداء الله فلم يروا للصحابة أثرا ولا خبرا فضجوا بكلمة كفرهم وماجوا وقالوا: هربت العرب ووقع الصائح في العسكر فظهر أهل البلد ليقفوا على صحة الخبر ولم يبق في البلد سوى النساء والاطفال قال ابن اسحق: وكان للحكيم بنو عم ثمانون رجلا وإن ولده طاف عليهم بالليل وأعلمهم بما فعل فأقبلوا معه وأسلموا عن آخرهم فلما كان الغد وخرج كل من في البلد بادر بنو عم الحكيم واخوته إلى الأبواب فأغلقوها وأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فوقعت الخمدة على النساء والصبيان واستوثق القوم من المدينة بالثمانين رجلا فأمسكوهم الأبواب وخرج الصحابة رضي الله عنهم ورفعوا أصواتهم يكبرون ويدعون الله عز وجل فلما نظر لهم أهل البلد علموا أنهم قد ملكوها وإن الذي فعل ذلك بنو عم الديرجان الحكيم وقد أغلقوا الأبواب وقفلوها وملكوا السور فوقف الملك ينظر إلى ما فعله الصحابة وعلم أن المدينة أخذت منهم وكان في أولاده ولد عاقل لبيب كامل الذات والصفات وافر العقل وكان منذ نشأ يتبع العلماء ويجالسهم ويطلب العلم ومنذ ملك عقله ما أكل لحم خنزير ولا كشف ذيله على محرم ولا سجد لصورة ولا لصليب وكان هم أن يبني صومعة وينفرد فيها فلم يمكنه أبوه من فرط محبته له وكان لا يستطيع فراقه وهذا الغلام اسمه شطا وكان يحب أن يسمع أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبحث عنها فلما نظر إلى الصحابة وقد ملكوا منه البلد وشطا عن يمين أبيه نظر شطا إلى الصحابة والى زيهم والى نور الإيمان وهو ساطع منهم.
قال فشخص شطا نحو السماء ببصره وصاح وسقط عن قربوس فرسه بوجهه قال فارتاع أبوه وجميع عسكره من تلك الصيحة فلما أفاق قال له أبوه: يا بني ما وراءك قال ظهر الله والحق وبان وقد تبينت لي حقيقة الإيمان وقد نظرت إلى عسكر هؤلاء العرب وعليهم نور عظيم ومعهم رجال عليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب وبينهم قبتان معلقتان في الجو بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وفيها رجال ما رأيت.