مجلس أبي ثوب فقال له: إلى أين قال أدعو الذي لو شاء أنزل عليكم رجزا من السماء ثم قرأ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}[الروم:٢٩] .
قال: حدثنا عاصم عن رويم عن ابن جبير قال إنما طلب أبو ثوب الغيث واقتصر عليه لانه كانت له مزرعة بالبعد من النيل ولا يقدر أن يسقيها ولا يصل اليها ماء وكانت قد أشرفت على الهلاك واليبس وكانت منه ببال وكان قد غرس فيها من جميع الثمار والاشجار وصنع لها مصانع تمتلىء بماء المطر فيسقيها وقت الحاجة اليها وكان المطر قد أمسك عنها والمصانع نشفت فلما خرج يزيد إلى البحر توضأ وصلى ركعتين ثم رفع رأسه نحو السماء وقال: اللهم إنك قد أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالاجابة فقلت وأنت أصدق القائلين: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦] وقد دعوت كما أمرت فاستجب كما وعدت يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيرك قال ابن جبير لقد بلغني ممن أثق به أن يزيد بن عامر ما برح يدعو حتى ارتفع السحاب من الجو ووقف وقفة الخاضع ورفع جناح السائل المتواضع وارتفعت سحابة وتألقت والرعد يصول حولها صولة الغاضب وهو لها بصوت البرق يزجر بصلصلة وقعقعة وهرير وهو على ذلك سيره ومسيره وقد أحاطت بالسحابة ملائكة الرحمة متمنطقة بنطاق الخدمة يسوقونها من خزائن رحمته ويجذبونها بأزمة القهر إلى ملك ابديته وهو واضع أجنحة عبوديته موسوم بوسم: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}[الرعد: ١٣] والركام يسري ويسرع اسراع الوجل يسبح من يسجد لجلاله: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}[النور: ٤٣] فإذا هي أشرفت وتكاملت بالماء ووسقت والبروق من أركانها قد انشقت وهبت عليها رياح قدرته من مواضع خزائن رحمته: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف: ٥٧] فعندها تفتح مغاليق أبوابها وترفع ستر حجابها فهمت بدموع أشجانها على أيدي خزانها فتستبشر الأرض عند ورودها وتنتظم عقود الزهر عند ورودها في جيد وجودها وتخرج كنوز ذخائرها: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الروم: ٥٠] قال: ونزل المطر يسكب بقية يومهم وليلتهم فلما كان من الغد حضر يزيد بن عامر مجلس أبي ثوب وقال لهم: كيف رأيت صنع الله الصانع المتكفل بأرزاق العبيد قال فضحك أبو ثوب وقال أن سحركم لعظيم وإن مكركم لجسيم وإن سحركم يفعل أكثر من هذا فقال إنما ذلك رحمة من الله قد أبر من أقسم باسمه عليه فلما رأى نزول المطر وظهرت بركات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على سبيل المكر الآن تحققت أن دينكم الحق وقولكم الصدق وأنا مؤمن بالله ومصدق برسالة رسول لله صلى الله عليه وسلم وسوف أعرض دين الإسلام على أهل جزيرتي وأصحابي وأهلي وأبني المساجد وآمر بالمعروف.