للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنهي عن المنكر فقال يزيد أن أنت فعلت ذلك رشدت وإن نافقت فإن ربك لبالمرصاد ثم خرج من عنده هو ومن كان معه شطا وغلمانه ومضوا إلى دمياط إلى البامرك وحدثوه بما كان من أبي ثوب فقال: والله لقد خدعكم بخديعته ورماكم بسهم مكيدته فقال يزيد بن عامر: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:٥٤] فما لبثوا اياما قلائل حتى وصل الخبر أن أبا ثوب جمع من سائر الجزائر وهو قادم عليهم فلما سمع البامرك بذلك قال ليزيد بن عامر: ما الذي ترى من الرأي في أمر هذا العدو فقال يزيد نستعين بالله ونتوكل على الله ومن قاتلنا قاتلناه.

قال بن اسحق وإن البامرك أرسل ولده شطا إلى البرلس ودميرة وطناح ومن تحت يده يطلبهم فجاؤا من كل جهة وكتب يزيد إلى عمرو بن العاص يعلمه أن أبا ثوب قد جمع الجموع فلما وصل إليه الكتاب أرسل إليهم هلال بن أوس بن صفوان بن ربيعة أحد بني لؤى ومعه الف فارس وأمره بالمسير إلى دمياط وذلك في العشر الاول من شعبان سنة عشرين من الهجرة وكان لعمر بن الخطاب في الخلافة أربع سنين ونصف أما ما كان من أبي ثوب فإنه لما نفر إليه العساكر أخرجهم بظاهر تنيس فكانوا عشرين ألفا من الرجال ومن الخيل خمسمائة فارس من القبط ومتنصرة العرب وعداهم في المراكب وأتوا نحو دمياط فخرج شطا بن البامرك فقتل رجالا وجندل ابطالا وإنه اشترى الجنة من الله بنفسه ولم يزل يقاتلهم بقية يومه ثم إنه عاد من قتال اللئام إلى الصلاة والصيام ولم يزل على قدم الخوف والوجل وهو منكس الرأس من الخجل من الله تعالى عز وجل فلما مضى أكثر الليل وطلع نجم سهيل اضطجع فلما كان وقت الغلس وقرب الصبح وتنفس استيقظ شطا وهو باكي العين فقال له أبوه: يا بني ما الذي أبكاك فقال رأيت شيئا في منامي أبصرته وسمعت منه كلاما وعاينته وحفظته وحررته والدنيا هي طالق وإني بعون ربي واثق ولا شك أني لك مفارق فقال أبوه أعوذ بالله يا بني ما هذا الكلام ولعل ذلك أضغاث أحلام.

فقال: لا والله ما هي أضغاث أحلام لكنه أمر من الملك العلام الذي أجرى الاقلام وخلق الضياء والظلام وبعث سيد الانام بشرائع الإسلام وإني رايت في منامي كأن أبواب السماء قد فتحت وأنوار الهداية قد سطعت ولمعت ثم تفتحت أبواب السماء الثانية ثم رأيت ملائكتها سجودا على جباههم لا يقومون وركعا لا ينتصبون وقياما من هيبة ربهم لا يقعدون وباكين لا تجف لهم دموع ثم كذلك رايت سماء بعد سماء إلى السماء السابعة ثم رأيت قبة من زمرد أخضر وفيها قناديل من الجوهر وهي تسرج من الانوار وتوقد من غير نار وفيها أربعون حوراء عليهن حلل ما رأيت قط مثلها ولا ابصرت شكلها بوجوه تفتن الانس وفي أرجلهن نعال الياقوت الأحمر يطأن بها على النمارق والزرابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>