فصاحت بي احداهن وهي كبيرتهن وقالت يا مفتونا بدار الدنيا أما أن لك أن تذكرنا فقد خلقناالله لك منذ خلقك وجعل مهرنا منك الجهاد في مرضاة رب العباد وقد الفت الجفاء وما هكذا صنع أهل الوفاء انظر إلى ما أعد لك وللشهداء قال فنظرت وإذا بقباب معلقة حيث لا يدرك لها نهاية بعدد النجوم وقطرات الغيوم وقد نفد الميقات وانقضت الساعات والاوقات فتيقظ في المنام وارحل إلى دار السلام وقالت في كل قبة مثل ما رأيت فقلت ما هذه القباب فقالت هذه قباب قوام الليل والشهداء يأوون اليها في جنة المأوى ثم إنها جعلت تقول:
أنت يا مفتون دواما. ... في الدنا ثم المنام. ... فدع النوم وبادر. ... مثل فعل المستهام.
وابك بالوجد دواما. ... بدموع وانسجام. ... ثم نح ياذا كثيرا. ... في نهار وظلام.
ايها اللائم دعني. ... لست أصغي للملام. ... في عروس قد تبدت. ... فاقت البدر التمام.
طرفها يرشق باللحظ. ... مصيبا كالسهام. ... ولها صدغ منير. ... مثل نون تحت لام.
احسن الاتراب قدا. ... في اعتدال وقوام. ... مهرها أن قام ليلا. ... وهو باك في الظلام.
ياعمادي ورجائي ... ومنائي والمرام ... فاستمع مني قولي ... ثم فكر في النظام
وغداً بادر لحرب ... وإلى ضرب السهام ... مسرعا تاتي الينا. ... بعد ترحال الظلام.
فقال أبوه اعلم يا ولدي أن من المنام ما يصدق وما يكذب فلا تشغل نفسك بما رأيت فقال: لا والله يا أباه ما بقي لي في الدنيا طمع ولم يزل باقي ليلته يبكي ويتضرع ويقوم على أقدام الخشوع ويخضع وأجفانه بالدوام تدمع إلى أن أصبح الصباح وأشرق بحيائه ولاح فودع شطا اباه وأهله وخرج إلى الحرب فتعلق به أبوه وقال له: يا بني بحقي عليك لا تبلني بفراقك فقال شطا دع عنك العتاب فقد قرب لقاء الأحباب فعندها قامت على ابيه المواسم وانهل الدمع الساجم ودنا الفراق وقامت الاشواق وجرى دمع كل عين وأقبل البامرك يودع ولده ويقول يا بني أن صح منامك وضربت في دار السلام خيامك فاذكرنا بحسن طريقة الوفا وأقرىء سلامي على النبي المصطفى فبرز شطا إلى الحرب ودعا للبراز فخرج إليه واحد فقتله وثان وثالث حتى قتل اثني عشر فارسا.
قال ابن اسحق: فلما رأى أبو ثوب ما فعل شطا بفرسانه لم يطق الصبر دون أن خرج إليه بنفسه وكان من الفرسان المذكورة فلما سار شطا في الميدان قال له: يا شطا كيف تركت الدين المستقيم وعدلت عنه وصغيت إلى هؤلاء اللئام واتبعت دين الإسلام لقد عمل فيك القوم واستوجبت العتب واللوم يا فتى عد إلى الدين الصحيح والقول الرجيح وهو دين المسيح فأي شيء رايت من هؤلاء المساكين حتى تبعت دينهم فلما سمع شطا كلام أبي ثوب أقبل عليه مغضبا وقال له: يا لئيم أتأمرني أن أدع الدين.