عبد الله لقد نصحت الإسلام وأهله فجزاك الله خيرا أحسن ما جازى بهأولياء سر على بركة الله وعونه فإذا استقر بك المكان ثلاثة أيام أنفذت اليك شعيبا وعبد الله ومن معهما من المسلمين وبعد الفتح أن شاء الله تنزلون الينا فقال يوقنا استعنا بالله وتوكلنا عليه ثم إنه أخذ معه من صناديد جماعته مائة ولم يأخذوا معهم ثقلا سوى جنيب من الخيل واحد وسار من أول الليل وترك عياض بن غنم علي الباسل فجدوا السير بقية ليلتهم فلما كان قبل الفجر أشرفوا على الخانوقة فوجدوا فيها ألفا من الأرمن وهم بالعدة الكاملة فلما أشرف عليهم يوقنا ومن معه وهم يتحدثون بلغة الروم أنسوابهم وسألوهم عن خبرهم فقالوا: هذا البطريق المعظم يوقنا صاحب حلب قد هرب من العرب وأقبل لنصرة صاحب هذه القلعة فلما سمعوا بذلك فرحوا وصقعوا بين يدي يوقنا وأرسل المقدم عليهم خيالا وأمره بالسرعة ليبشر اشفكياص بقدوم يوقنا إليه وهروبه من العرب وإنه يستأذن عليه فمضى الرجل وأخبر اشفكياص فأطرق إلى الأرض ثم قال لوزيره وحق المسيح والأنجيل ما جاء إلا لينصب علينا ويملك هاتين القلعتين منا كما فعل بطرابلس وصور وما أنا بالذي يأمن فما ترى أيها الوزير.
قال ابن اسحق: ولقد بلغني أن هذا الوزير كان من أهل القراءة وكان أديبا عاقلا لبيبا ممن قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية وقرأ ملاحم دانيال وكان منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم يسكن في دير مترهبا وهو ما بين السر ٣ وحلب فتعبد فيه زمانا طويلا حتى شاع ذكره بين أهل دين النصرانية ثم بعد ذلك أخبر الروم بأنه قد وقع بحافر من حوافر حمار المسيح فكانت الروم ينذرون له النذور والصدقات وشاع خره وسما ذكره فسمي ذلك الدير بدير حافر وإنه في بعض الايام خرج من ديره إلى مزرعة له هناك وإذا برجل من البدو قد عبر وهو راكب على ناقة وكان الحر قد اشتد فأوى إلى ظل حائط الدير وأناخ ناقته وعقلها ونام والراهب ينظر إليه فلما غرق في نومه أتت حية من مزرعة الراهب وفي فمها باقة نرجس فجعلت تروح عليه حتى استفاق وذلك الراهب ينظر إليه فلما أفاق أتى إليه وسلم عليه وقال له: من أي الناس أنت قال من العرب قال الراهب قد علمت ذلك وإنما أسألك عن دينك قال ديني الإسلام الذي كان عليه أنبياء الله كلهم عليهم أفضل الصلاة والسلام فقال لعلك على دين هذا الرجل الذي في أرض الحجاز قال: نعم.
قال ابن اسحق: وكان البدوي ورقة بن الصامت الهذلي ابن أخت رواحة الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حضر غزوة تبوك وحضر يوم السلاسل وكان أديبا ليبيا شاعرا لا يتكلم إلا بسجع وكان أبو عبيدة قد وجهه لما كانوا في حصار قلعة حلب إلى صاحب الرقة يدعوه إلى الإسلام فقال الراهب وكان اسمه شوجوان بن كربان قد بلغني.