أنكم تقولون ما خلق الله خلقا أعظم ولا أكرم ولا أرحم من محمد وتركتم آدم ونوحا وابراهيم واسحق ويعقوب والاسباط وموسى وداود وسليمان وعيسى فأريد أن تبين لي حقيقة ذلك فقال ورقة بن الصامت اسمع ما أقول ولا تتبع الفضول أما علمت أن عالم الملائكة اجتمعوا بالبيت المعمور ووقع بينهم الجدل في تصاريف الامور وافتخر الكروبيون على الروحانيين والمسبحون على المقربين فزاحمهم ابليس بدقة عبادته ومشيد مباني زهادته فقال أنا المخلوق من ضرام النار البارع في خدمة العزيز الجبار اين أنتم من وقوفي على أقدام الاهتمام مائة ألف عام وتعبدي في السموات وأكنافها وبروجها واعرافها وأوساطها وأطرافها وجبال الأرض وأكنافها فعارضه جبريل بالامتحان والابتداء وصرفه عن حجة الافتخار والادعاء وقال له: ما أنت في الافتخار إلا في الحضيض المحضوض أن لله نبيا في عالم الملكوت محجوبا قد طال اشتياقنا إليه ووردنا الخبر فيما يريد وجعل نهاية عبادتنا الصلاة عليه فأيقن من المفاخر بالنزول ومن اطلاق شمس ادعاء بالأفول وقال رب فهل إلى لقائه من سبيل والى الوصول إليه من دليل فقال جبريل اقطع مسافة الامنية وخض بحر الاعتراف بعز الربوبية وثق بحبال العز المكين فإنك لخدمة من كون من نور التكوين عليه منقوش بقلم التمكين: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[يّس:٣] فخلع ابليس لباس العمل واستعمل أجنحة الامل وألقى قلادة الادعاء ونكس تاج الكبرياء واستعد لقوادم الطلب وداخله من قول جبريل غاية العجب وجعل همة عزمه تحصيل السبب وحذر من سوء المنقلب.
وقال: يا للعجب أنا مع صدق طويتي في المعاملة والانابة وخلوص سريرتي في طلب الزيادة هل يكون أحد مثلي او يبلغ درجة فعلي وكيف ذلك وإذا رفعت رأسي بالتسبيح أعاين ما حول العرش وإذا سجدت لعظمة الله أنظر ما تحت الفرش فنودي أتفتخر علينا بجواهر طاعتك وتوفر أسباب بضاعتك ونحن وفقناك لطاعتنا ومعاملتنا وأريناك أطراف ارضنا وسمواتنا من قواك على خدمتي من جعلك معلما لملائكتي وعزتي وجلالي لولا أحمد ما خلقت ملكا ولا أجريت فلكا ولا أنرت قمرا ولا أمضيت قدرا ولا أسرجت شمسا ولا أقررت عرشا ولا بسطت فرشا ولا خلقت جنة ولا نارا ولا فجرت أنهارا ولا بحارا ولا جعلت النجوم طوالع ولا غوارب ولا الدنيا مشارق ولا مغارب ولكن طر بأجنحة عجل في طلب الايثار حتى يميتك الله بين الجنة والنار قال فسار بفلك طلب النجوم على قدم مطايا التفريد حتى اخترق ما بين العرش والكرسي واختبر كل جني وانسي وكلما مر بمغني من المغاني راى معنى من المعاني وذلك أنه لما رأى أصنافا من الملائكة على اختلاف الأحوال من الاجتهاد والطاعة والأعمال وجميع عباد الله الشاكرة موقوفة على خدمة سيد الدنيا والآخرة وعلم معنى عبادتهم وتحقق آثار ارادتهم زاد به الاعجاب فاستعظم وجود ذلك في عالم.