للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقق عنده أن دينهم الحق وقولهم الصدق فقالت له الجارية: فما تقول أنت في دين القوم قال هو والله الحق والدين الصدق وإني كنت كاتم هذا السر فلما سمعت ذلك تبسمت وقالت والله لقد رضيت لنفسي ما رضيه أبي ولكن أنت أكتم هذا عني.

قال الواقدي: وإن اشفكياص لقي عبد الله يوقنا وسلم بعضهما على بعض وترجل كل منهما لصاحبه وشكا كل واحد منهما ما يجده من الشوق ثم ركبا وسارا إلى القلعة فنزل يوقنا فيها ومن معه وأتت ابنته وسلمت عليه وبكت وبكى وأما اشفكياص فإنه معول على القبض على يوقنا وقال له: أيها الملك كيف رأيت هؤلاء العرب في دينهم وعدلهم وسياستهم في ملكهم فقال يوقنا أن القوم يزعمون أنهم لا يريدون ملك الدنيا وإنما يريدون ملك الآخرة ومع هذا قد ملكوا الشام وأرض مصر وما تغيروا عن طباعهم وأنفسهم الدنيئة وأول الأمر وآخره أنهم أظهروا الناموس حتى ملكوا البلاد ولما كشفت أسرارهم وتحقق أخبارهم ورأيت بيان ما هم عليه هربت منهم وبعدت عنهم بعد أن ظننت أنهم على الحق ونصحت لهم وملكتهم طرابلس وصور وغيرهما وانطاكية وقد علمت أن المسيح قد غضب علي إذ تركت دينه وما أمر به من القربان وما أوصى به يوحنا المعمدان ولست اظن أن لي تطهيرا من دون الذنوب ومساوي العيوب ثم إنه أظهر البكاء والتوجع والشكوى فلما عاين اشفكياص ما فعله وسمع كلامه انطلى عليه وقال له: ايها الملك إذا كنت قد ندمت على قبيح فعالك ورجعت إلى الدين الصحيح بقلبك فابشر بقبول التوبة وزوال الحوبة واعلم أن باب التوبة مفتوح وعلم القبول لأهل الندامة يلوح وقد قرب عيد الصليب وبقي له عشرون يوما وهذا مرقس الراهب بدير السكرة وهو من أعظم أهل دين النصرانية فسر إليه ليغمسك في ماء المعمودية فتخرج نقيا من الذنوب فقال يوقنا أفعل ذلك ولكن من يضمن أن يعيش فعندها قامت ابنته وصقعت وقالت والله يا أبت ما أدعك تمضي حتى أتملى منك بالنظر وقبلت يد أشفكياص وقالت يا سيدي أريد أن تأذن لأبي أن يسير معي إلى حصني فقال هو الليلة عندي وليلة غد يكون عندك فعلم يوقنا أنه لا بد من الاكل معه ولا بد في سماطه من لحم خنزير ولا بد من الخمر فقال: أيها السيد أينما كنت فأنا في نعمتك وخيرك فقال شوجوان لاشفيكاص اعلم أيها الملك أن الملك يوقنا كثير الشوق إلى ابنته ولهما زمان ما رأيا بعضهما وما يخفى عليك ذلك والصواب أن يكون الليلة عندها وليلة غد يكون عندك فقال افعلوا ذلك قال فأخذت أباها ونزلت في السرب إلى القلعة الشرقية وعبر أصحابه إليه في المركب فلما جن الليل قالت الجارية لأبيها يا أبت كيف تركت العرب بعد صحبتك لهم ونصحك لدينهم أرأيت أن القوم على باطل وإن دينك الاول أفضل منه فرجعت إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>