ورجلهم عن خيولهم وسار بهم يطلب راس العين فأخبروه أن الملك شهرياض على مرج الطير من جانب النقب فقصد إليه ومعه من بني عمه أربعون رجلا وساقوا أصحاب رسول الله إلى أن أوقفوهم بين يديه وحدثوه بأمرهم فأمر بضرب رقابهم وكان آخر من بقي أميرهم سهل بن أساف وكان أحسن الرجال وجها قال فشفع فيه بعض البطارقة فوهبه له وكان ذلك البطريق اسمه توتا بن لورك وهو صاحب كفرتوتا فأخذه وأتى به إلى قصره في كفرتوتا قال فنظرت إليه ابنته فسالت اباها عنه فقال: أي بنية أن المسيح قد طرح رحمة هذا الشاب في قلبي فسألت الملك فيه فوهبه لي فخذيه اليك فأخذته وأدخلته في بستان قال فلما كان بعض الايام دخلت البستان فنظرت إلى سهل بن اساف وهو يقرأ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح: ٢٩] فلما سمعت قراءته أخذت بمجامع قلبها فقالت ما افصح هذا الكلام وأطيبه وألينه للافهام فقال لها هذا كلام الملك العلام الذي أنزله على سيد الانام فقالت الجارية أما محمد فهو نبيكم لا محالة فيه فمن هؤلاء الذين قال فيهم: {وَالَّذِينَ مَعَهُ} قال هو صاحبه ووزيره أبو بكر الصديق رضي الله عنه: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} هو صاحب هذه الفتوح ومجهز هذه الجيوش عمر بن الخطاب: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} هو كاتبه وصهره عثمان بن عفان: {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} هو أخوه ابن عمه وصاحب سيفه علي بن أبي طالب فقالت له الجارية: وكان اسمها ابريتا وكانت تكتب بقلم التوراة والانجيل وتتكلم بكلام العرب وكثيرا ما كانت تسأل علماء دينهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعطيها أحد منهم خبرا حتى وقع بيدها سهل بن أساف فقالت من هؤلاء الذين ذكرت قال هم الذين قالوا: وصدقوا وقاتلوا فحققوا وركبوا نجب السوابق فوفقوا وساروا في بادية الطلب فلم يرفقوا فحققوا وركبوا نجب السوابق فوقفوا وساروا في بادية الطلب فلم يرفقوا وكلما لاح لهم علم الافاضل تشوقوا ونودوا في سرائرهم رجال صدقوا ثم أنشد يقول.
رجال من الاحباب تاهت نفوسهم. ... ينادونه خوفا ويدعونه قصدا.
وقاموا بليل والظلام مغلس. ... إلى منزل الاحباب فاستعملوا الكدا.
يحثون حث الشوق نحو مليكهم. ... وقصدهم الفردوس كي يرزقوا الخلدا.
أولئك قوم في العبادة أخصلوا. ... فتاهوا به شوقا وماتوا به وجدا.
فقالت له الجارية: لقد سمعت من نيسا راهب دير قنا أن الله ينشر دعوه نبيكم في المشرق والمغرب ويملك المشرق والمغرب وأنهم يفضلونه على الآباء والامهات والاخوة والاخوات وأنهم بعد موته يسيرون إليه وإذ ذكر يكثرون الصلاة عليه فقال لها سهل بن اساف أما علمت أنه كان في حياته يدعو لهم ويستغفر لهم ولمن دخل في دينه.